يتندر العالم بتلك الواقعة التى تحكى عن أحدهم يسأل صديقه: كيف أنه يتمتع بصحة جيدة فى عمر امتد لما بعد الستين، بينما هو يدخن بشراهة. قبل أن يبدأ فى الإجابة تناهت إليهم أصوات جلبة وتكسير فى الحجرة المجاورة فالتفت إلى صديقه قائلا: لا تقلق هو جدى عاد من سهرته اليومية مع أصدقاء الحانة. علك عزيزى القارئ استمعت إلى القصة بصورة مختلفة وربما لغة مختلفة فى النهاية الهدف واحد: السخرية من تعاليم الأطباء وكهنوت العلم الذى يصر على أن التدخين وربما الكحول ضار بالصحة.
يتكرر هذا كثيرا فى عيادات الأطباء، فلطالما حاول أطباء نهى مرضاهم عن التدخين بطرق مختلفة لكن الكثيرين منهم يتحايلون بضرب أمثلة ربما كانت بالفعل حقيقية لأصدقاء أو أقرباء يدخنون دون أثر يذكر على صحتهم. أما الطامة الكبرى فتأتى حينما ينصح الطبيب مريض والسيجارة لا تفارق أصابعهم.
كان الأمر بالفعل مثار دهشة حتى للأطباء فكثيرا ما رأيت مدخنين لا يشكل التدخين لهم مشكلة حتى من يترك آثاره المنفرة على أصابعهم وأسنانهم فما حقيقة الأمر إذن؟
يفسر العلم الآن تلك الظاهرة المحيرة: إنها الجينات التى يفترض أنها جيدة تحمى الإنسان من الآثار المدمرة فى مقابل جينات أخرى رديئة تستنفر أمراض السدة الرئوية وسرطان الرئة والقابلية للإصابة بالنزلات الشعبية والالتهاب الرئوى!
الجهد العلمى جاء نتيجة لأبحاث مستمرة فى مشروع علمى بريطانى UK.S Biobank Project اعتمد على فحص أكثر من خمسين ألفا من المدخنين الذين لا يعانون من تداعيات التدخين فى مقابل مدخنين أصابتهم مضاعفات تنفسية وأمراض مدمرة من جراء التدخين.
الواقع أن النتائج رغم وضوحها فى الإشارة إلى أن الذى يحمى الإنسان المدخن هى موروثاته الجينية وأن الذى يحفز إصابته بالمرض هى ذات الموروثات الجينية إلا أن للعلم رأيا يجب احترامه. صرح الباحث الرئيسى فى العمل العلمى أن التوقف عن التدخين هو أفضل ما يجب عمله فيما يتعلق بصحة الإنسان المدخن والذين من حوله.
وأنه رغم عدم ظهور أعراض مرضية على بعض المدخنين نتيجة لتحولات تحدث فى جيناتهم فالأمر ليس بتلك البساطة لأن رئاتهم لا يمكن مقارنتها بالرئات السليمة هناك دائما فرق. كما أن التدخين لا يؤثر على الرئة وحدها إنما يؤثر على بقية أعضاء الجسم المختلفة وأولها القلب.
أشعر بتمام الرضا.. فرحة ما تمت للمدخنين.