نشرت مجلة ذى أتلانتيك مقالا للكاتب آرثر بروكس، يقول فيه إن الظهور بأنفسنا الأصلية وبحرية تامة أمر لا يمكن تصوره فى العالم، لذلك نحتاج أحيانا إلى ارتداء قناع لإخفاء أفكارنا ومشاعرنا الحقيقية. إلا أن الاستمرار فى ارتداء هذا القناع طوال الوقت سيسبب خسائر بالغة كارتفاع ضغط الدم والإجهاد القلبى، ذاكرا 3 قواعد لابد من اتباعها لارتداء هذا القناع وخلعه بطريقة صحية... نعرض منه ما يلى:
يقوم الكثير منا بارتداء قناع فوق وجوههم لإخفاء هوياتهم أو مشاعرهم الحقيقية عن طريق قمع أفكارهم أو التصرف بطرق معينة. بعض هذه الأقنعة نحبه والبعض الآخر لا نحبه. البعض نضطر إلى ارتدائه لنتعايش مع الحياة، والبعض الآخر نرتديه طواعية ونخشى خلعه.
إن مزايا هذا الإخفاء محل نقاش ساخن. يحثنا بعض الخبراء على أن نكون أنفسنا الأصلية من أجل الصحة العقلية والسلامة الشخصية؛ فتمويه النفس معناه أن نكون زائفين. بينما يدعم البعض الآخر قدرا من القمع لأنفسنا الحقيقية عندما نكون فى الخارج؛ ويجادلون بأن القيام بذلك هو مطلب بسيط من «المدنية»، ويأسفون على القدر الكبير من «الصدق والحقيقة» التى نراها حاليا فى الحياة العامة.
كلا الجانبين ــ إلى حد ما ــ على حق. ففى بعض السياقات المناسبة، يمكن أن يكون إخفاء أنفسنا الأصلية أمرا صحيا ومريحا. ولكن عندما يكون الإخفاء جزءا أساسيا ودائما من عملنا أو حياتنا، فهناك شىء خاطئ. تماما كما لا يمكن ارتداء القناع الجراحى على مدى الساعة طوال أيام الأسبوع، لذلك يجب إزالة الأقنعة المجازية فى النهاية. صحيح أن هناك حرية خلف القناع فإخفاء الوجه يحمينا من أحكام الآخرين. لكن لا يجب أن يكون الأمر كذلك.
•••
إخفاء المشاعر والأفكار يصبح مشكلة عندما لا يكون طوعيا. ففى كثير من الحالات نشعر بأننا مضطرون لإخفاء مشاعرنا الحقيقية، خاصة عندما تكون سلبية. لكن يصعب الحفاظ على هذا القناع. لنأخذ ما يسمى ابتسامة «بان آم» A Pan Am smile كمثال، هذه الابتسامة سميت على اسم مضيفات شركة الطيران واللاتى طُلب منهن الابتسام للركاب بغض النظر عما يشعرن به. لكن الابتسامات الحقيقية للسعادة تشمل مجموعتين رئيسيتين من العضلات: العضلة الوجنية الرئيسية، التى تسحب زوايا الفم، وعضلات العين الدائرية، التى تجعد زوايا العينين. فى ابتسامة بان آم، يقوم الفم بواجبه لكن العيون تفشل فى التعاون. تُظهر التجارب أنه يمكن للناس عادة التمييز بين الابتسامات الحقيقية والمزيفة بسبب هذا الاختلاف حول العينين، ولهذا السبب يمكننا معرفة ما إذا كان شخص ما سعيدا خلف كمامات كوفيد ــ 19 أم لا.
وفى الحقيقة، إخفاء مشاعرنا يمكن أن يفرض علينا خسائر. فى إحدى التجارب، طلب علماء النفس من المشاركين فى مركز عملاء تابع للسكك الحديدية أن يدافعوا عن أنفسهم عندما يكون الناس أفظاظا أو أن يظلوا مهذبين وودودين مهما حدث. عانى أولئك فى المجموعة الثانية من ارتفاع ضغط الدم والإجهاد القلبى مقارنة بالمجموعة الأولى. هذه التجربة هى مثال واضح لما يسميه الباحثون «العمل العاطفى» أى الجهد المبذول فقط للحفاظ على سلوك مقبول والذى وجد أنه يقلل من الرفاهية فى العمل.
لاشك أن هذا مرهق جسديا وعاطفيا. وسنجد الرضا عن حياتنا يتلاشى ليس فقط بسبب الجهود التى نبذلها للتظاهر عكس حقيقة مشاعرنا ولكن أيضا لأنه لا يُسمح لنا أبدا بدمج أنفسنا بالكامل فى حياتنا المهنية أو العاطفية.
وبالرغم من أن التخلص من الكمامات الواقية فى ظل كوفيد ــ 19 مرة واحدة وإلى الأبد سيكون أمرا مريحا، إلا أن التخلص من أقنعتنا التى نخفى بها حياتنا وأفكارنا ومشاعرنا مسألة أخرى. فالعالم الذى يعبر فيه الجميع عن أنفسهم بحرية تامة هو عالم لا يمكن تصوره، وربما غير مرغوب فيه. لكن بإمكاننا جميعا استخدام القناع وخلعه بطرق صحية أكثر مما اعتدنا عليه. وسنعرض فى السطور التالية ثلاث قواعد للقيام بذلك.
القاعدة الأولى: لنأخذ استراحة من أنفسنا
جميع الإجازات الجيدة تشترك فى عنصر واحد: إنها تجعل مسئولياتنا وجداولنا الصارمة تتوقف لبعض الوقت، حتى نتمكن من الراحة دون مضايقات من التزاماتنا. نفس الفكرة تنطبق على أن يكون الشخص نفسه. فالطاقة المطلوبة للحفاظ على هويتنا وأنفسنا الأصلية أكبر مما ندرك، وسيكون إيجاد طريقة للتخلى عنها بانتظام يمكن أن يساعدنا على إعادة الشحن. ويعد الانخراط فى أنشطة مثل الترفيه الجماعى طريقة سهلة لأخذ إجازة من أنفسنا. المفتاح هو تحرير أنفسنا من قيودنا الخاصة.
القاعدة الثانية: لنقم بإزالة القناع حول من نحبهم أكثر من غيرهم
إذا شاهدنا أطفالنا يلعبون بمرح مع أصدقائهم وصديقاتهم لبضع دقائق قبل أن يلحظوا وجودنا لنأخذهم من المدرسة. فبمجرد أن ننادى عليهم، ستترك الابتسامة وجوههم ويركضون نحونا ليخبرونا عن كل الأهوال التى حلت بهم فى ذلك اليوم. نفهم من هذا المثال أن الأطفال يرتدون أقنعة طوال اليوم ولكنهم ينزعونها بمجرد ظهور والديهم، لأنهم يعلمون أنهم آمنون عاطفيا أمامهم.
لا تكمن النقطة فى أن أطفالنا كان يجب أن يكونوا «أنفسهم الأصلية» طوال وقتهم فى المدرسة؛ بل إنهم يحتاجون إلى أن يكونوا صادقين معنا. تتطلب أهم علاقاتنا ــ تلك التى نستثمر فيها نصيب الأسد من وقتنا وطاقتنا، سواء كانت شخصية أو مهنية ــ أن نكون قادرين فيها على أن نكون على طبيعتنا. وإذا كنا مرتدين الأقنعة لمدة 24 ساعة فى اليوم، فيجب تغيير ذلك.
القاعدة الأخيرة: لنتأكد من أننا نحب ما وراء أقنعتنا.
بقدر ما يكون الحفاظ على القناع مرهقا، فقد يكون تركه أمرا مرعبا إذا كنا لا نحب ما نخفيه. فلربما نخجل من تحمل الغضب والعداء، أو الحزن الذى نخفيه داخلنا وفى مثل هذه الحالات يعنى البقاء ملثمين فقدان الفرصة لمواجهة الواقع وإجراء بعض التغييرات الإيجابية. يمكننا تغيير السمات الشخصية التى لا نحبها فى أنفسنا، لكن القيام بذلك يتطلب الصدق والتدخل الواعى.
فى عام 1836، نشر ناثانيال هوثورن، الكاتب الأمريكى المشهور، قصة قصيرة بعنوان «الحجاب الأسود للوزير»، والتى تؤرخ لحياة شخص ببلدة صغيرة بدأ ذات يوم فى ارتداء الحجاب على وجهه. لم يبدِ سببا، ورفض إزالته فى أى وقت، حتى لو طلبت منه خطيبته ذلك. فى النهاية عدلت خطيبته عن الخطبة وتجنب الناس مرافقته.
قد تكون القصة سخيفة. ومع ذلك، فهو يجبر أى قارئ أو قارئة على التفكير فى الحجاب الأسود وتكلفة ذلك فى الحياة. يكتب هوثورن: «طوال حياته، فصلته قطعة الحجاب تلك عن جميع الأناس وحب المرأة. حاصره القناع فى أتعس السجون، قلبه».
لم تكن المشكلة فى الحجاب بحد ذاته ولكن الحاجز الذى أنشأه طواعية بينه وبين كل من حوله، بما فى ذلك أولئك الذين أحبهم أكثر. وما زالت نقطة هوثورن منذ ما يقرب من 200 عام قائمة حتى اليوم: لا يجب أن يدع أى شخص قناعه المجازى يفصله عن نفسه وعن حب الآخرين له، ذلك الحب الذى يحتاجه ويستحقه.
إعداد: ياسمين عبداللطيف زرد
النص الأصلى: هنا