مرة أخرى، لا أحد يلوم الإخوة المسيحيين إذا غضبوا بعد الحادث الإجرامى الذى شهدته كنيسة القديسين بالإسكندرية ليلة عيد الميلاد.. ولا أحد يلومهم إذا خرجوا فى مسيرات ومظاهرات سلمية للتعبير عن هذا الغضب.
لكن أن يخرجوا ويغلقوا الشوارع ويكسروا السيارات وأتوبيسات النقل العام بصورة عشوائية ويشتبكوا مع إخوانهم المسلمين لمجرد أنهم مسلمون، فهنا يوجهون غضبهم إلى الوجهة الخاطئة تماما. بل وينفذون الأجندة الجهنمية التى يريدها مدبرو الحادث الإرهابى.
كثير من المسلمين يشاركون الأقباط غضبهم لما حدث ويحدث.. وبعض هؤلاء المسلمين خرجوا فى مسيرات مشتركة تستنكر ما حدث وتطالب الحكومة بالاستجابة لمطالب الأقباط، وبعض المسلمين أيضا خرجوا فى مسيرات مشتركة أثناء أحداث العمرانية قبل أسابيع وفى أحداث كثيرة أخرى مشابهة من قبل، تضامنا مع ما يرونه مطالب عادلة للأقباط وسعيا إلى وطن للجميع.
على كل قبطى أن يهدأ قليلا ويفكر فى الطريقة التى ينفس بها عن غضبه.
وعلى قادة الكنيسة وقادة الفكر والرأى أن يتدخلوا ويقولوا للمسيحيين البسطاء إن معركتهم ليست مع المواطن المسلم فى الشارع، وإن تكسير سيارة أو قطع طريق أو هتافا «خارجا» بعيدا عن القضية لن يحل المشكلة بل ربما سيعقدها.
من الحكمة ومن المصلحة للإخوة الأقباط أن يكسبوا أكبر عدد من المسلمين للتضامن مع مطالبهم وليس من المنطق أن يخسروهم مجانا.
يمكن أن نتفهم خروج المسيحيين فى مظاهرة سلمية تهتف ضد الحكومة مثلا.. أو ضد التقصير الأمنى أو ضد شخص ما يعتقدون أنه أساء إليهم، لكن ماذا سوف يستفيدون عندما يقطعون شارع رمسيس أو يغلقون ميدان لبنان وطريق المحور ليل أمس الأول أو طريق الأوتوستراد فى منشية ناصر أو أى طريق فى أى منطقة فى مصر.
النتيجة المؤكدة أن المواطن البسيط حتى لو كان غير مسيس سوف يسب ويلعن ويفقد تضامنه معهم.. فهل ذلك ما يريده الإخوة المسيحيون؟!.
ألا يدرك الإخوة الأقباط وعقلاؤهم أن الحوادث والاشتباكات العشوائية المتكررة هذه الأيام فى الشوارع يمكن أن تؤدى إلى شرارة قد تقود إلى الحريق الكبير؟!.
مشكلة المواطن المسيحى أمس واليوم وغدا ليست مع جاره المواطن المسلم.. مشكلته الجوهرية مع الحكومة.
هذا المواطن يفترض أن يسأل قيادته الروحية عن نتيجة الارتماء فى أحضان الحكومة والتنسيق معها سياسيا طوال السنوات الماضية.
ليس هذا وقتا للحساب وفتح الدفاتر.. لكن كان بإمكان المسيحيين ــ ولا يزال ــ أن يكونوا جزءا من حركة وطنية شاملة للمطالبة بالإصلاح، خصوصا أنهم سيكونون الطرف الأكثر استفادة عندما يتحقق الإصلاح الذى يمهد لدولة مدنية.
لكنهم ــ للاسف ــ ارتضوا أن يتحولوا إلى رهينة فى يد البابا، الذى رهنهم أيضا لدى الحكومة.. والنتيجة واضحة للجميع... علاقة مشوهة وملتبسة أقرب إلى زواج المتعة.
مرة أخرى، يا أيها الأخوة الأقباط، حادث الإسكندرية يؤلم كل مسلم سوى وعاقل مثلما يؤلمكم. لأنه سيدفع ثمنه معكم ايضا.
المسلم البسيط ليس عدوكم.. ورجل الشرطة البسيط الذى يحرس بنكا أو كنيسة أو إشارة مرورة هو بدوره مظلوم ومضطهد ربما أكثر منكم. عدوكم هو الانعزال والتقوقع والفساد والاستبداد فى الداخل والإرهاب وإسرائيل فى الخارج.
لذلك انتبهوا ولا تخلطوا الأوراق.