أوهام وحقائق الأفلام القصيرة - محمود عبد الشكور - بوابة الشروق
الإثنين 6 يناير 2025 10:53 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أوهام وحقائق الأفلام القصيرة

نشر فى : السبت 4 يناير 2025 - 7:45 م | آخر تحديث : السبت 4 يناير 2025 - 7:45 م

أتابع باهتمام طفرة إنتاج الأفلام الروائية القصيرة، بأساليب وأشكال مختلفة، استفادة من ثورة الديجيتال، وظهور أجيال شابة، تريد تقديم تجاربها الأولى، بعد أن كانت هذه الأفلام محصورة تقريبا فى مشروعات التخرج فى معهد السينما، وبعد أن كان الطموح الأكثر شيوعًا هو اختصار الطريق، والتدريب والعمل مباشرة فى الأفلام الروائية الطويلة.
لا شك أن تجارب الفيلم الروائى القصير المصرى فى السنوات الأخيرة تستحق الدراسة، سواء على مستوى الموضوعات، أو فيما يتعلق بجرأة المعالجة، كما أن أفلامًا روائية قصيرة مصرية حققت جوائز عالمية، مثل فيلم «ستاشر» لمؤلفه ومخرجه سامح علاء، وهو الفيلم الفائز بالسعفة الذهبية لأفضل فيلم روائى قصير فى مهرجان كان 2020؛ أى إن علاء حقق بفيلم قصير ممتاز، ما لم تحققه السينما المصرية بأفلامها الروائية الطويلة المشاركة فى المهرجان السينمائى الدولى الشهير.
لكن الصورة ليست وردية تمامًا، فرغم وجود منصات لدعم وتمويل هذه النوعية من الأفلام، ورغم وجود مواهب حقيقية قدمتها الأفلام الروائية القصيرة فى كل فروع الفيلم السينمائى، فإن مشروعات كثيرة تتعثر، أو يتم إلغاؤها، ونحن نعرف ما أنتج فعلًا، ولكننا لا نعرف طوفان الأعمال التى تعطّل لإنتاجها، وهى أفلام كثيرة، وبعضها مميز جدًا.
من ناحيةٍ أخرى، فليس كل ما ينتج من أفلام روائية قصيرة مصرية جيدا، أو يستحق المشاهدة، فقد شاهدت أفلامًا كثيرة بدائية، أو مباشرة وركيكة، أو غير مكتملة العناصر الفنية، أو تقدم تجريبًا شكليّا بائسًا، بل إن بعض ما شاهدت ينقصه المفهوم الناضج للفيلم الروائى القصير. لذلك كله أحببت أن ألخّص فى هذه النقاط الحقائق والأوهام والمعايير التى يجب الالتفات إليها عند التفكير فى عمل فيلم روائى قصير:
الفيلم الروائى القصير ليس فيلمًا طويلًا انسخط لظروف إنتاجية، كما قد يعتقد البعض، ولكنه نوع سينمائى مستقل ومتميز، له قوته وجمالياته وتحدياته.
إذا كان الفيلم الروائى الطويل يمكن تشبيهه بالرواية، بمعمارها وبنائها وتفاصيلها، وعدد شخصياتها وتفريعات أحداثها، فإن الفيلم الروائى القصير يشبه القصة القصيرة، بتكثيف أحداثها وزمنها، وبلحظة التنوير الأخيرة فيها، والتى تكشف معنى الرحلة، والتى تترك فى النفس إحساسًا واحدًا قويا، كما أنها تتعامل مع عدد قليل من الشخصيات.
الكاميرا ليست لعبة، فلا تقدم على تجربة عمل فيلم قصير دون أن تعرف ما الذى تريد أن تقوله؟ وكيف ستقوله بصورة ناضحة وواضحة؟ وما هى الفكرة وما هو الشعور والإحساس الذى تريد أن تنقله من خلال الموقف أو الحكاية القصيرة والمكثفة؟ هذه هى نقطة البدء، وليس الشغف بالكاميرا أو التشوق لصناعة فيلم عليه اسمك.
السيناريو هو الأصل والأساس، فلا تبخل بالوقت، ولا بالجهد، ولا بالتفاصيل، ولا بالكتابة أكثر من مرة. هذا هو الأساس الذى سيتيح لك تنفيذًا جيدًا للفيلم، ووفق الإمكانيات المتاحة. والحوار بالذات لا بد أن يكون مكثفًا وموجزًا، دون زيادة أو نقصان.
«المخرج» هو قائد العمل، ولكن عليه أن يعرف أنه لن يحقِّق رؤيته إلا عبر الآخرين، ومواهبهم، وأفكارهم، وإبداعهم، وليس عيبًا بالمرة أن يكتفى المخرج بالإخراج، وأن يترك الكتابة لمن هو أفضل، أو أن يتشارك مع زميل أو أكثر فى الكتابة.
عمل فيلم تجريبى أمر طموح عظيم، ولكنه يحتاج إلى قدراتٍ خاصة، وخيال، وامتلاك كامل للقواعد الكلاسيكية، قبل تحطيمها، أو الإضافة إليها.
«الممثل» هو أبرز أدوات الدراما، وأهم مشكلة فى الفيلم الروائى القصير المصرى هى عدم ضبط الإلقاء عند الممثلين الهواة، وعدم تدريب الكثيرين منهم، مما يجعل الحوار غير مفهوم، كما أن «الكاستنج» لا يكون جيدًا فى أحوال كثيرة.
إذا كان الفيلم الروائى القصير مقتبسًا عن قصة قصيرة، فإن الأمر يحتاج إلى مهارة خاصة فى المعالجة، وفق اختيارك الفنى، سواء بالالتزام برؤية القصة الأصيلة، أو بتغيير تلك الرؤية، والإضافة إليها. الاقتباس من عمل أدبى يتطلب وعيًا بالقراءة الصحيحة للنص، وفهمًا لما وراء الحدث والحوار، وليس مجرد النقل، أو الانبهار باسم وشهرة المؤلف الأصلى.
شريط الصوت لا يتضمن حوارًا فقط، ولكنه مزيج معقد من أربعة عناصر هى: الحوار، والمؤثرات، والموسيقى التصويرية، والعنصر الرابع والأهم هو «الصمت»، لأنه الأرضية التى تتحرك عليها بقية العناصر. توظيف الصمت عنصر أساسى فى الفيلم الروائى القصير، وفى الفيلم الروائى الطويل، بل وفى الفيلم التسجيلى أيضًا، سواء كان طويلًا أو قصيرًا.
الإمكانيات التقنية، التى سهّلت عمليات التصوير والمونتاج، والتغلب على مشكلة الفيلم الخام عن طريق استخدام الديجيتال، كلها عناصر مهمة وإيجابية للغاية، بشرط أن تجيد توظيفها فى خدمة الدراما، وليس فى الاستعراض بهذه الإمكانيات. أحيانًا تكون السهولة فخًّا بتصوير ما لا تحتاجه، أو بتكديس لقطات ومشاهد لا لزوم لها، أو بالإبهار عبر المؤثرات والخدع البصرية.
ضبط الميزانية المطلوبة بدقة أمر أساسى، فليست المسألة فى حشد تمويلات لن تستفيد بها، ولكن فى البحث عما تحتاجه فقط. هناك أفلام قصيرة تمت بميزانيات محدودة، والعكس صحيح، هناك أفلام جيدة التمويل، بل وباذخة أحيانًا، ولكنها ليست محكمة البناء، أو جيدة الفكرة، ولا تحتاج أصلًا إلى كل هذا البذخ.
ليست المشكلة فى الاعتماد على هواة أو محترفين، ولكن المسألة فى تدريبهم على الأدوار التى اختيروا لها، وفى أن يكونوا موهوبين ومناسبين للفيلم. هناك ممثلون محترفون يبدون تائهين تمامًا فى أفلام قصيرة، لم يأخذوها بجدية، أو لم يتقنوا أدوارهم فيها، أو تركهم المخرج يؤدون فيها كيفما اتفق، بينما قد نجد هواة يصلون إلى مستويات رفيعة، بالتدريب والتوجيه، وبالجدية فى العمل.
أتمنى أخيرًا أن توفر الدولة دعمًا إضافيًا لهذه الأفلام، وأن تعفيها من رسوم التصوير فى الشوارع والمناطق السياحية، وأن يُمنح صنّاعها حرية الإبداع والمغامرة.

 

محمود عبد الشكور كاتب وناقد سينمائي وأدبي مصري
التعليقات