اختلاف الحضارات وتماثل القيم - ليلى إبراهيم شلبي - بوابة الشروق
الخميس 26 ديسمبر 2024 8:56 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

اختلاف الحضارات وتماثل القيم

نشر فى : الجمعة 4 مارس 2016 - 9:35 م | آخر تحديث : الجمعة 4 مارس 2016 - 9:35 م
تناقلت شبكات التواصل الاجتماعى الأسبوع الماضى مجموعة صور لرئيس وحدة جراحة الأطفال بالمستشفى الجامعى بأسيوط وهو يرتدى ملابس عمال النظافة وبيده «مقشة» طويلة وهو يشارك فى نظافة أرضيات الوحدة. تلقت الصور العديد من آيات الإعجاب والتعليقات الإيجابية التى وصفت الرجل بالاستثنائى والمثالى والمحترم وغيرها من التعليقات التى أرى أنه بالفعل يستحقها عن جدارة.

نفى الأستاذ الجامعى أنه يعلم بأمر تصويره وأنه فوجئ بالصور على الفيس بوك لغيره من الناس. رغم أننى أعتقد أن هذا هو الجزء غير الحقيقى فى المشهد، إلا أننى مازلت أسجل إعجابى بما فعل وتقديرى بما يبدو أنه كان يرمى إليه. فقد كانت فرصة ليس فقط ليعرض فكرته الإنسانية فى تخصيص يوم الأربعاء ــ وفقا لما ذكر ــ لمساندة العمال وتحفيزهم على العمل رغم قلة عددهم.

إنما تطرق فى حديثه إلى دور الوحدة التى يرأسها وكيف أنها تخدم كل مرضى الأطفال على امتداد الصعيد وأنه بحاجة لدعم الدولة والمجتمع.

أن يشترك العاملون فى مؤسسة فى أعمال تنظيفها على اختلاف مواقعهم على السلم الاجتماعى فكرة إنسانية ملزمة تحمل معنى الانتماء لمكان يتشارك الجميع فيه فى تقديم خدمة ما للمجتمع.

أعادت صورة الأستاذ الجليل إلى ذاكرتى واقعة تعود إلى أيام البدايات. وصلت لعاصمة النور باريس وأحلامى بعرض وطول الكون لأتسلم عملى فى مستشفى «نيكير» أحد أشهر مستشفيات أوروبا استعداد لأعمال درجة الدكتوراة تحت إشراف فرنسى مصرى مشترك. استقبلنى رئيس القسم بنفسه ليشرح لى طبيعة عمل كل من يعمل بالقسم ثم المطلوب منى تحديدا والهدف من وجودى بينهم. كنت أنصت إليه بشغف منتشية بما أتخيلنى فيه من أحلام اليقظة وخيلاء التيه بالنفس. حينما انتهى استدرك ليضيف: عليك أن تكونى هنا يوميا فى الخامسة والنصف صباحا لتشرفى على أعمال نظافة القسم فنحن نبدأ يوميا فى السابعة صباحا. كان لكلماته وقع مازلت أتحسسه على رأسى حتى الآن كلما ذكرته. إذن فأنا قد تركت بلدى طبيبة ملء السمع والبصر لأعمل فى فرنسا فى نظافة المستشفيات!.. ابتلعت ما ظننته إهانة وقررت ألا ألقى إليه بالا وفى صباح اليوم الثانى ذهبت للمستشفى فى تمام السابعة ظنا منى أن هذا موعد حضور السادة الأطباء.

لم يلق إلىَّ رئيس القسم بالا وتجاهلنى الجميع.. أصررت وأصروا حتى كدت انفصل تماما عن الحركة الدائرة فى القسم تماديت فاتهمتهم بالعنصرية وقررت أن أعود إلى بلدى مرفوعة الرأس. والحمد لله أن لم أفعل فقد اقتربت منى ممرضة كانوا يعتبرونها أم الجميع فألقت علىّ درسا يظل منقوشا فى ذاكرتى إلى ما شاء الله: إذا استأجرت من ينظف بيتك فلن تتأكدى أبدا من نظافته ولن تكونى أبدا سيدة هذا البيت!

فى الخامسة صباح اليوم التالى وصلت قبل الجميع إلى القسم ليصل بعدى مباشرة رئيس القسم الذى ابتدرنى بتحية الصباح قبل أن يبدأ بتعقيم الأدوات وتحضير ماكينة القهوة للجميع.

تحية واجبة للأستاذ المصرى والفرنسى، فاختلاف الحضارات لا ينفى تماثل القيم.
التعليقات