فى مساء الثلاثاء 11 سبتمبر 2001 قفزت فرحا وصحت بأعلى صوتى الله أكبر فى صالة تحرير جريدة «البيان» الإماراتية فى دبى فرحا بالتفجيرات التى أطاحت ببرجى التجارة العالمى فى نيويورك، ما فعلته وقتها ـــ وندمت عليه لاحقا ـــ لم يكن استثناء، فكل الزملاء والأصدقاء فعلوا مثلى.. كنا فى هذا المكان خليطا يمثل تقريبا كل العالم العربى والإسلامى صحفيين وموظفين مصريين وإماراتيين وخليجيين وسوريين وعراقيين وفلسطينيين ومغاربة، وعمالا وفنيين من الهند وباكستان وبنجلاديش وجنسيات أخرى.
لم نكن نعرف وقتها من نفذ العملية.. كانت صدورنا تمتلئ مرارة مما تفعله أمريكا وإسرائيل بنا. ما فعلناه فى دبى تكرر تقريبا فى مناطق شعبية كثيرة عربيا وإسلاميا.
كان لسان حالنا وقتها يقول بما أننا متخلفون فى كل شىء وفشلنا فى وقف الإذلال الأمريكى الإسرائيلى لنا فالحل أن نجعلهم يتألمون مثلما نتألم، وبعدها صار «بن لادن» رمزا لكثيرين من المقهورين، بل إن صديقا مصريا قال لى وقتها إنه يحمد الله أن من بين المجموعة الـ19 التى نفذت العمليات مصريا هو محمد عطا مما يجعله يشعر بالفخر.
مرت الأيام وتوالت تفجيرات القاعدة ثم ظهرت الحقائق وبانت النتائج على الأرض لنكتشف أن 11 سبتمبر تحولت إلى خنجر لطعن صورة الإسلام والمسلمين وخدمة المخططات الأمريكية الإسرائيلية بل لإعادة انتخاب جورج بوش الابن لفترة رئاسية ثانية.
لست حالما ولا مثاليا، ولو كانت تفجيرات القاعدة حررت القدس أو بغداد أو حتى لجمت أمريكا وإسرائيل عن عربدتهما المستمرة لانحنيت احتراما للقاعدة ولكل قادتها.
النتيجة النهائية أن «القاعدة» وبدلا من توجيه سلاحها إلى العدو الرئيسى فى فلسطين أو فى العراق المحتل، توجه السلاح إلى كنائس بغداد أو تهديد الكنائس المصرية أو ترويع الآمنين فى مدن عالمية، مما جعل صورتنا فى أسوأ حال.
عدونا الرئيسى هو إسرائيل وكل من يساعدها. وبالتالى ننحنى احتراما لكل شخص يقاوم هذا الاحتلال فى فلسطين، أو يحاول طرد المحتل من العراق، لكن المشكلة تبدأ حينما تتحول أى حركة ــ تقول إنها مقاومة ــ لتخدم أهداف هذا المحتل سواء بحسن أو سوء نية.
فى السياسة العبرة بالأهداف والنتائج، أما النوايا الطيبة فمكانها الجمعيات الخيرية، قد أخطئ بحسن نية فى السياسة، لكن عندما يتكرر هذا الخطأ مرة ومرتين وعشرين يصبح الأمر أقرب إلى مؤامرة على النفس إن لم تكن مؤامرة لصالح العدو.
هذه الكلمات موجهة لبعض الشباب خصوصا الصغار السن الذين يعتقدون أن أسامة بن لادن كان رمزا حقيقيا وخدم الإسلام والمسلمين.
مرة أخرى قد يكون الرجل ــ رحمه الله ــ حسن النية واجتهد، لكنه أخطأ، وبالتالى فعلينا أن ننبه الشباب الى أن الطريق إلى جهنم مفروش أحيانا بالنوايا الطيبة.
قتال الأعداء يحتاج إعدادا وتخطيطا وإجماعا أو حتى شبه إجماع من الناس. لا يكفى فقط أن أنفذ عملية وأقتل مدنيين ثم أختفى فى كهوف تورا بورا أو الشريط القبلى فى وزيرستان. وعندما تنتهى تفجيرات نيويورك إلى احتلال العراق وأفغانستان وعربدة أمريكا وإسرائيل فى كل المنطقة، فالمنطقى لو كنت مكان قادة القاعدة أن أتوقف وأسأل نفسى: لماذا أخطأنا وهل نستمر إذا كان دفع الضرر يتسبب فى ضرر أكبر؟ ثم نسأل السؤال الجوهرى: إذا كان عدوى ذكيا ومحتالا فكيف السبيل الأفضل إلى مواجهته؟!