تناولنا فى مقال سابق التجارب الدولية فى اداء الرؤساء وأهمية هذه الآلية كمكمل لا غنى عنه لعملية التحول الديمقراطى. وقد أشرنا إلى تزايد دورية إجراء استطلاعات الرأى العام التى تقيس أداء الرئيس الأمريكى والتى أصبحت تجرى عدة مرات فى الأسبوع الواحد فى المتوسط.
●●●
وقد قام المركز المصرى لبحوث الرأى العام «بصيرة» بقياس أداء الرئيس محمد مرسى من خلال توجيه سؤال لعينة عشوائية من المواطنين المصريين هذا نصه: «يا ترى أنت موافق ولا غير موافق على أداء مرسى فى شغله كرئيس؟». وقد تم تكرار هذا الاستطلاع أربع مرات بعد مرور 50 يوما ثم 60 يوما ثم 80 يوما ثم 100 يوم من بداية فترة الرئاسة. وجاءت نسبة الذين ذكروا أنهم موافقون على أداء الرئيس للتراوح بين 76% و79% فى الاستطلاعات الأربع التى تم إجراؤها.
وكانت أهم النتائج التفصيلية التى تم رصدها هو انخفاض نسبة الموافقة بين الجامعيين وبين الشباب وبين أصحاب المستوى الاقتصادى المرتفع. ويتسق ذلك مع ما يلاحظ من انخفاض مستويات الموافقة على أداء الرئيس بين النخب السياسية التى لا تنتمى للتيارات الإسلامية والتى تفصح فى وسائل الإعلام التقليدية وفى وسائط الإعلام الجديد عن قدر ملحوظ من الانتقاد لطريقة إدارة شئون الدولة.
وعند تحليل نتائج هذه الاستطلاعات والتى اشتملت على أسئلة عن رأى المواطنين فى البرامج الخمسة التى تضمنها برنامج الـ 100 يوم وهى الخبز والوقود والأمن والمرور والقمامة لوحظ وجود فجوة بين نسبة الموافقين على اداء الرئيس ونسبة من يرون أن برنامج المائة يوم قد نجح. ففى الاستطلاع الأخير والذى تم إجراؤه بعد 100 يوم، ذكر 73% من المواطنين أنهم شعروا بتحسن فى الأمن وجاءت باقى الملفات لتعكس مستوى متواضع من الإحساس بالانجاز، فقد بلغت نسبة من شعروا بتحسن فى المرور 56% وبتحسن فى مستوى التخلص من القمامة 48% وبتحسن فى توزيع الخبز المدعم 42% وبتحسن فى توافر الوقود 33%.
●●●
وتبدو الفجوة بين الموافقة على اداء الرئيس والشعور بالإنجاز فى أربعة من الملفات الخمسة التى تضمنها برنامج الرئيس مثيرة للدهشة. فما الذى يجعل جزءا كبيرا من المواطنين المصريين يوافقون على اداء الرئيس رغم إحساسهم بتواضع الإنجاز فى مجالات ذات صلة مباشرة بالحياة اليومية للمواطن. وبطبيعة الحال فلا يوجد تفسير حاسم لذلك لأن الموافقة على اداء الرئيس فى وجدان المواطن المصرى قد ترتبط بأمور عديدة ولا تقتصر فقط على انجاز محسوس فى الشأن الداخلى.
وهناك عدد من التفسيرات التى نوردها فيما يلى:
• أن الموافقة على اداء الرئيس لا تقتصر فقط على إنجاز برنامج المائة يوم وإنما قد تتأثر بقرارات أخرى ذات طبيعة سياسية (مثل القرار الخاص بتغيير القيادات العسكرية) أو ذات صلة بإدارة ملف العلاقات الخارجية (مثل زيارة الصين وإيران والسعودية ودول أفريقية) وبعودة دور مصر الإقليمى وهو ما لاقى على الأرجح استحساناً جماهيرياً.
• أن المواطن العادى ربما يكون أكثر صبراً من النخب السياسية المعارضة وربما سيتسع صدره وينتظر لمدة أطول ليعطى الرئيس مهلة إضافية لحل مشكلات يعلم الجميع أنها ليست سهلة الحل.
• مع التسليم بوجود مشكلة فى التواصل مع النخب، إلا أن التواصل الجماهيرى مع المواطنين البسطاء والإحساس بعدم وجود فجوة بينهم وبين الرئيس قد يُفسر ولو جزئياً ظاهرة تأييد الرئيس على الرغم من عدم الشعور بالإنجاز الداخلى.
• ربما لا يربط المواطن أداء الرئيس بأداء الحكومة وربما يعتبر البعض أن تعقد الحياة اليومية هو مسئولية الحكومة وليس مسئولية الرئيس.
• يضاف إلى ذلك أن تدبير الأمور الحياتية لجزء غير قليل من المواطنين البسطاء كانت دوماً تتسم بالمعاناة ومن ثم فإن الوضع بالنسبة إليهم لم يتدهور كثيراً عن ذى قبل.
هذه التفسيرات ليست بطبيعة الحال حصرية ولا قطعية. ولا شك أن الاستمرار فى إجراء مثل هذه الاستطلاعات والتراكم المعرفى الذى تحققه حول طريقة تقييم المواطن لأداء الرئيس والعناصر التى يعتمد عليها فى مثل هذا التقييم سيساعد فى فهم ظاهرة تتسم بدرجة عالية من التعقيد.
ولعل الجميع يتساءل ــ سواء كان فى فريق الرئيس أو فى الفريق الآخر ــ هل ستتغير نسبة الموافقة على اداء الرئيس؟ وما هو اتجاه التغيير الذى يمكن أن يطرأ عليها؟ وهل ستتأثر بمستوى الأداء الداخلى بعد فترة السماح التى يمنحها المواطن المصرى؟ وهل ستنجح النخب المعارضة فى التأثير فى شعبية الرئيس بين الجماهير؟ هذه كلها أسئلة لا يملك أحد الإجابة عنها وإن كان لا يستطيع أحد أن يمنع نفسه من الانشغال بها.
●●●
ومع الاختلاف الكامل فى السياق بين المشهد السياسى فى الولايات المتحدة والمشهد السياسى فى مصر، فإنه من المفيد التعرف على اتجاهات الموافقة على أداء الرؤساء الأمريكيين وكيف تتغير معدلات الموافقة عليهم عبر الزمن. وبصفة عامة ينعم الرئيس الأمريكى بفترة شهر عسل قد تصل إلى ستة أشهر تكون فيها الموافقة على ادائه مرتفعة. وهناك ثلاثة نماذج للتحولات التى تحدث فى نسبة الموافقة على اداء الرئيس وهى:
• نموذج الرئيس كلينتون والذى تمتع بنسبة موافقة استمرت فى التزايد على الرغم من واقعة علاقته بالمتدربة مونيكا التى كادت تطيح به، واستمرت شعبيته فى التزايد حتى استطاع أن يُنهى حياته السياسية كرئيس بأعلى نسبة موافقة على الاداء حظى بها أى رئيس أمريكى عند نهاية مدة حكمه.
• النموذج الثانى هو نموذج الرئيس بوش (الابن) والذى بدأ بمستوى موافقة منخفض واستمر حتى وقع حادث 11 سبتمبر والذى استفاد منه بوش بشكل ملحوظ لتقفز نسبة الموافقين على ادائه من 54% يوم 6 سبتمبر إلى 82% يوم 13 سبتمبر 2001 وليصل من جراء هذا الحادث إلى نسبة موافقة 92% فى شهر أكتوبر 2001. وهى أعلى نسبة يحظى بها رئيس أمريكى فى التاريخ. إلا أن هذه النسبة ما لبثت أن تراجعت بشكل مستمر ليصل فى نهاية فترة رئاسته إلى أدنى نسبة موافقة وصل اليها أى رئيس أمريكى وهى 19%.
• والنموذج الثالث هو نموذج الرئيس أوباما والذى حظى خلال النصف سنة الأولى من ولايته بنسب موافقة مرتفعة، وتلى ذلك اتجاهاً للانخفاض التدريجى لتمضى باقى فترة رئاسته بمعدلات تتذبذب حول الـ 50% لتعكس حالة استقطاب حادة فى الولايات المتحدة، ولتنبئ بانتخابات لن تحسم إلا بفارق بسيط لصالح أحد المرشحين.
●●●
والسؤال الملح الآن ما هو المسار الذى ستسلكه نسب الموافقة على اداء الرئيس مرسى فى الأشهر القادمة فى ظل قرارات صعبة لا مناص من اتخاذها لانقاذ الاقتصاد المصرى وفى ظل سقف توقعات يفوق الموارد المتاحة وفى ظل حالة من الاستقطاب تجعل التوافق الوطنى بعيد المنال.