مع افتتاح الدورة الثالثة والأربعين لمهرجان القاهرة السينمائى الدولى أعلنت مصر على الملأ والعالم انتهاء جائحة كورونا والانتصار على الموجة الثانية منها والتى كان من المتوقع أن تهب إعصارا أكثر شراسة. لكننا تحصنا منها وراء قلاع من الفن العظيم واستخدمنا سلاح الفتنة والجمال والموضة وقاذفات الأكتاف العارية والسيقان المكشوفة فى الهجوم المباغت على العدو الغادر فانسحب مهزوما ليستمر مد الجمال فى ثقة يخطو على السجادة الحمراء!!..
لم نكتف بتأكيد غياب وعينا الصحى ــ ولا أبالغ إذا ذكرت وعينا القومى أيضا ــ فيما بيننا بل احتفلنا بذلك على مرأى ومسمع من العالم كله بإذاعة فعاليات افتتاح مهرجان القاهرة للسينما الدولى على الفضائيات. واحتفلنا بالأجانب من الضيوف الذين لا أشك فى أنهم تصوروا قبل المجىء أنهم سيكونون جزءا منه.
ما رأيناه فى حفل افتتاح مهرجان السينما أمر غريب ،ففى الوقت الذى أصبح من الواضح فى الصورة الرسمية والشعبية أن عدوى كوفيد ــ ١٩ بما فيها من نذر الهلاك تسرى كالنار تحت الرماد طلع علينا بعض فناني السينما ومن جاوروهم من ألوان الفنون فى زحام من ألوان البهجة يتحدون بشجاعة إشاعة وجود الفيروس فى المحروسة.
البعض فى حالة تلاحم اجتماعى إلى حد النشوة. نادرا ما كنت تلمح بين العشرات على استحياء أحدهم يتخفى وراء قناع يتوارى عن الأعين. كانت الصفوف المتراصة تحفل بأعداد من الحاضرين لا نهاية لهم كلهم ، فى مرمى أى عطسة صغيرة قد تفاجئ أحدهم. المذيعات تستضفن النجوم فى مقعدين لا تزيد المسافة بينهما على عشرين سنتيمترا تكفى لتبادل أى عدوى ممكنة فى يسر كأنما الأمر إعلانا على الملأ لدعم انتشار العدوى.
تمنيت لو أن دولة رئيس الوزراء الذى راهن على وعى الشعب يوما أن يكون حاضرا هذا الحدث المهم المبهر ليعرف أن الفنانين أيضا من عامة الشعب بل إن هناك من البسطاء من هو أكثر وعيا منهم وحرصا على أرواح الآخرين.
حرص بعض النجمات على ملامحهن المصبوغة كأن أكبر من حرصهن على نقل العدوى أو التقاط الميكروب بينما لم يهتم بالقناع الواقى إلا قليليين منهم الممثل الكوميدى أحمد حلمى الذى بدا غريبا فى عالم من كوكب آخر.
حدث كل هذا رغم تواجد وزارة الصحة الذى أعلنت عنه وزيرة الثقافة فى كلمتها. أما المتحدث الرسمى لوزارة الصحة فقد أعلن عن أن كل من حضر الحفل بلا استثناء خضع لاختبار المسحة الطبية ،فهل كان هذا دافعا لهم لإظهار كل هذا الود والتقارب الاجتماعى ومظاهر الاحتفاء ببعضهم أمام الكاميرات.
أنا فى الواقع أعانى من صدمة تكاد تفقدنى توازنى. لماذا توقفت الدولة عن تفعيل إجراءات تتخذها كل لدول العالم، لقد امتثل الناس لأوامر الدولة حتى أقاموا الصلاة فى بيوتهم فماذا حدث؟
عادت الأفراح والليالى الملاح بل نصبت سرادقات العزاء مرة أخرى وتباهى الجميع بكثافة الحضور فى المقامين. ازدحمت الأسواق وامتدت موائد الانتخابات واجتماعات التأييد وعلت الهتافات. حشدنا الفنانين لمؤتمر السينما ولم نأبه للعواقب وأجلنا معرض الكتاب لتفادى انتشار العدوى.
هل من حقنا اليوم أن نراهن على وعى الحكومة التى قد يفهم البعض انها تدعم اليوم سياسات انتشار العدوى؟
ليس لها من دون الله كاشفة.