نشرت مؤسسة Europe Carnegie مقالا للكاتب ««Marc Pierini» حول تأثير الصعود الروسى والإيرانى والتركى وغموض دور الولايات المتحدة الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط على الاتحاد الأوروبى، وهل سيستطيع قادة دول الاتحاد الأوروبى مواجهة هذا المشهد الجيوسياسى الجديد أم لا؟
بداية ذكر الكاتب أن دول الاتحاد الأوروبى واجهت العديد من التحديات عند تعاملها مع منطقة البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط، فمنها على سبيل المثال: الاستبداد، والإرهاب، والثورات، والحروب الأهلية، والاتجار بالبشر. ومن الجدير بالذكر أن كلا من روسيا وإيران وتركيا تلعب دورا قويا فى المنطقة، فضلا عن أن الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت حليفا غير متوقع سلوكه. والسؤال الذى يطرحه الكاتب فى هذه المقالة يتمثل فى: هل سيستطيع قادة دول الاتحاد الأوروبى مواجهة هذا المشهد الجيوسياسى الجديد أم لا؟ ولكن فى كلتا الحالتين، العواقب ستكون وخيمة.
منذ سبتمبر 2015، عززت روسيا بشكل واضح مشاركتها فى المجال العسكرى والسياسى والطاقة فى الشرق الأوسط، بشكل عام فى اتجاه معادٍ للغرب. فلقد أنشأت روسيا أول قاعدة جوية لها فى الشرق الأوسط فى مدينة اللاذقية، وهى محمية بنظم الصواريخ Sــ300و Sــ400، كما أنها قادرة على دعم نظام الأسد. ومن المرجح أن تظل هذه المنشأة جاهزة للعمل لسنوات قادمة مع وجود طموحات تتعدى الحدود السورية. وبالمثل، تم تعزيز قاعدة طرطوس البحرية الروسية فى شمال سوريا، مما سمح بوجود «جسر بحرى» منتظم بقاعدته البحرية فى سيفاستوبول ونوفوروسيسك على البحر الأسود. كما تم توسيع المبيعات العسكرية الروسية مع تركيا ومصر والمملكة العربية السعودية ــ الدول التى سبق لها أن أعطت الأولوية للمشتريات من الدول الغربية. وفى هذا السياق، ذكر مركز «Belfer» أن روسيا تسيطر على منطقة الشرق الأوسط، ففى كل مرة تسيطر على دولة».
أما بالنسبة إلى استراتيجية الطاقة الروسية فى الشرق الأوسط، فلقد شهد هذا القطاع تقدما سريعا فى العديد من الدول، فضلا عن وجود استثمارات روسية فى مجال الاستكشاف والإنتاج والنقل فى مصر ولبنان وليبيا والعراق وسوريا وتركيا. مثل: خط أنابيب ترك ستريم، الذى من المتوقع أن يمد الغاز الروسى إلى كل من تركيا وجنوب شرق أوروبا عبر البحر الأسود، ما يجعل محاولات تنويع خطوط إمدادات الغاز فى الاتحاد الأوروبى من بحر قزوين أو آسيا الوسطى أقل جاذبية بكثير؛ وبالتالى سيؤثر ذلك على استراتيجية أمن الطاقة الأوروبية بشكل مباشر. ومن الجدير بالذكر أن موسكو تتقارب مع عدد من دول البحر المتوسط والشرق الأوسط فى المجال العسكرى ومجال الطاقة، إلى جانب بذل جهود متضافرة لإقامة علاقات أوثق مع جميع دول المنطقة.
لقد جعلت هذه الجهود المنهجية روسيا فاعلا أكثر قوة فى الشرق الأوسط، وأحيانا قريبة من المواجهة مع القوى الغربية، والدليل على ذلك الدور الروسى فى سوريا، كما أنها تواجه بشكل مباشر الدول الأوروبية خاصة بعد استكشاف الغاز فى مصر ولبنان، أو مواجهة الهيمنة الأمريكية فى المبيعات العسكرية ــ كما هو الحال فى مصر والمملكة العربية السعودية. باختصار، إن الأمر يتعلق بتغيير قواعد اللعبة: من خلال توسيع نطاق تواصلها الدبلوماسى بشكل كبير وإنشاء قواعد عسكرية دائمة فى المنطقة (مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا)، كما غيرت روسيا عدة معايير استراتيجية فى منطقة الشرق الأوسط لصالحها.
***
وبالمثل، فإن إيران ــ من خلال سياسة يطلق عليها أحيانا «محور المقاومة» ــ طورت طموحاتها فى البحر الأبيض المتوسط وعززت تدخلها العسكرى فى لبنان وسوريا بشكل واضح معاد للغرب ولإسرائيل. لطالما زودت طهران حزب الله اللبنانى بصواريخ من مختلف الأنواع، وفى الآونة الأخيرة، بطائرات بدون طيار. تقليديا، تم تسليمها عن طريق الجو أو البحر عن طريق سوريا، ما دفع الجيش الإسرائيلى بشن غارات. والآن، أقامت إيران منشآت تصنيع صغيرة فى سوريا، ما اضطر إسرائيل لتغيير نمط رد فعلها.
على الرغم من صغر حجمها، فإن هذه المرافق ــ مع وجود دائم فى سوريا لقوات برية إيرانية مزودة بصواريخ متوسطة المدى تغطى كامل الأراضى الإسرائيلية ــ تمثل تغييرا جوهريا فى البنية الأمنية العسكرية فى الشرق الأوسط. فهم يخلقون ظروف تهديد أكبر لإسرائيل، فضلا عن خلق ممر برى دائم من إيران إلى جنوب لبنان عبر العراق وسوريا، خاصة عندما تخلى القوات الغربية بلاد الشام. وبالتالى فإن تمكين الشيعة هو مبدأ إرشادى، ويخدم هدف الوصول إلى شواطئ البحر المتوسط.
***
من جانبها، بدأت تركيا ــ العضو فى حلف الناتو منذ عام 1952 وأحد أكبر ثلاث قوى تقليدية ــ تقاربا عسكريا وسياسيا واسع النطاق مع روسيا.
بالتركيز على الداخل التركى، نجد أن تركيا تتجه نحو الاستبداد نتيجة للسياسة الداخلية المتغيرة والخوف من فقدان حزب العدالة والتنمية للهيمنة الانتخابية المستمرة بلا انقطاع طوال ستة عشر عاما، فلقد ابتعدت قيادة حزب العدالة والتنمية عن المبادئ الديمقراطية اللازمة لعضوية الدول فى حلف الناتو والاتحاد الأوروبى. إن التحالف مع حزب الحركة القومية دفع قادة حزب العدالة والتنمية إلى إلغاء جهود السلام مع حزب العمال الكردستانى وتجدد التوترات مع جمهورية قبرص.
ومن وجهة نظر غربية، لعبت تركيا دورا كبيرا فى منطقة الشرق الأوسط وخاصة تحالفها مع اللاعبين الأساسيين بالمنطقة. أولا: قدمت خطة مالية ضخمة لمساعدة إيران على تجاوز العقوبات الأمريكية. ثانيا: تدخلت عسكريا ثلاث مرات فى سوريا، وذلك بالتنسيق الوثيق مع روسيا، بالإضافة إلى خلافها مع السياسة الأمريكية والأوروبية حول هزيمة «داعش». ثالثا: مشاركة أنقرة فى عملية السلام فى أستانا، وهو تحالف من أجندات متباينة مع موسكو وطهران لمحاولة «حل» الأزمة السورية. وأخيرا: شراء تركيا لأنظمة الصواريخ الروسية Sــ400. وحتى الآن، فإن عملية الشراء التركي ــ والانتشار المحتمل بحلول نهاية عام 2019 ــ لنظم الصواريخ الروسية Sــ400، ستكون فى تناقض تام مع التزامات تركيا داخل حلف الناتو.
فى الوقت الذى صورت فيه أنقرة قرارها بأنه غير مؤذٍ بالنسبة لحلف الناتو، فإن نشر صواريخ Sــ400 سيؤدى إلى تحطيم كبير لمشاركة تركيا فى تحالف شمال الأطلنطى لمدة 67 عاما. كما أنه سيضع حتما شكوكا حول استخدام القاعدة الجوية فى إنجرليك من قبل الولايات المتحدة، (بما فى ذلك العشرات من الرءوس النووية فى الولايات المتحدة).
وسيكون لهذا أيضا عواقب وخيمة على الطريقة التى تتعامل بها حكومات الاتحاد الأوروبى مع تركيا كفاعل فى منطقة الشرق الأوسط.
***
أخيرا، أصبحت الولايات المتحدة لاعبا لا يمكن التنبؤ بسلوكه فى منطقة الشرق الأوسط خاصة فى عهد الرئيس «دونالد ترامب». فمن الجدير بالذكر أن التناقضات بين الرئيس الأمريكى وفريق عمله بالبيت الأبيض ستكون سمة دائمة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة، وترجمت إلى عدم وجود تشاورات مع الحلفاء ــ بما فى ذلك عندما تشارك القوات فى عمليات مشتركة، كما هو الحال فى سوريا. إن مسائل الثقة والقدرة على التنبؤ من قبل واشنطن تطرح ــ الآن ــ بشكل روتينى داخل وزارات الخارجية الأوروبية، خاصة بالنظر إلى الآثار العسكرية المتوقعة للولايات المتحدة فى الشرق الأوسط. وهذا بدوره يثير تساؤل حول سياسة دول الجوار الجنوبى للاتحاد الأوروبى. هل ستكون هناك سياسة كهذه؟ هل سيتوقف الاتحاد الأوروبى عن كونه مراقبا بائسا؟ هل ستترك أوروبا إسرائيل لتحديد شروط توازن عسكرى جديد فى بلاد الشام؟
ختاما، يضيف الكاتب أن هذه التغييرات فى مواقف وسياسات كلا من موسكو وطهران وأنقرة وواشنطن ستشكل تغيرا رئيسا للعبة فى الشرق الأوسط. وبالتالى لابد أن يدق ناقوس الخطر فى عواصم دول الاتحاد الأوروبى، لأن ذلك سيؤثر بشكل مباشر على سياسات الاتحاد الأوروبى فى مجالى الأمن والطاقة، وعلاقات الدول الأوروبية مع منطقة الشرق الأوسط.
إعداد: زينب حسنى عزالدين
النص الأصلى: من هنا