كلنا يعلم أن روسيا فى فبراير 2022 قامت بغزو أوكرانيا، إلا أنه عندما يتم توجيه سؤال عمن بدأ هذه الحرب لأى مسئول فى إدارة الرئيس الأمريكى المنتخب حديثا دونالد ترامب، فإنهم إما يرفضون الإجابة أو يتهربون بإجابات غير واضحة. فى ضوء ذلك، نشرت مؤسسة The American Enterprise مقالا للكاتب جونا جولدبيرج، تحدث فيه عن أسباب اتخاذ المسئولين فى الإدارة الأمريكية الجمهورية هذا الموقف… نعرض من المقال ما يلى:
فى اليوم السابق للذكرى الثالثة للغزو الروسى لأوكرانيا، ضغطت شانون بريم، مقدمة برنامج «فوكس نيوز صنداى»، على وزير الدفاع الأمريكى، بيت هيجسيث، للإجابة على سؤال «هل هجوم روسيا على أوكرانيا كان مبررا؟». تهرب هيجسيث من الإجابة قائلا إنه من العدل القول إن الوضع معقد للغاية.
يقول كاتب المقال: لا يعد هيجسيث الوحيد الذى تهرب من الإجابة على هذا السؤال منذ ادعى الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، بشكل فاضح أن أوكرانيا «بدأت» الحرب. فمستشار الأمن القومى الأمريكى، مايك والتز، رفض مرارًا وتكرارًا الإجابة على السؤال.
صحيح فى بعض الأحيان يكون من الصعب تحديد من بدأ الحرب. لكن هذه ليست الحرب العالمية الأولى أو حرب أذن جينكينز (حرب اندلعت بين بريطانيا وإسبانيا من عام 1739 وحتى 1748)، لكن الحرب الروسية الأوكرانية كانت روسيا هى التى بدأتها بالطبع. وبما أن الإجابة على هذا السؤال بسيطة، فلماذا تكون الإجابة عليه من قبل المسئولين الأمريكيين صعبة إلى هذه الدرجة؟
يضيف الكاتب: فى الحقيقة، الأمر لا يتعلق بأن روسيا سوف تشعر بالإهانة من أى رد دقيق، فقد قدم الغرب مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية لأوكرانيا وفرض عقوبات على فلاديمير بوتين ونظامه ردا على الغزو الكارثى، والقول إن روسيا هى التى بدأت الحرب لن يغير المعادلة الجيوسياسية على الإطلاق. لكن ما يجعل الأمر معقدا هو أن دونالد ترامب يقلد أسلوب بوتين عند الحديث عن من بدأ الحرب. ومعارضة ترامب ستخلق تبعات وخيمة تصل لحد الإقالة لأى مسئول جمهورى يجرؤ على القيام بذلك. فإذا قال ترامب إن الكلاب يمكنها الطيران، فيجب أن يقول أى مسئول فى إدارته ذلك أيضا.
لذلك الفساد الأخلاقى والفكرى الذى يحرك القرار الجماعى للحزب الجمهورى لحماية غرور ترامب وتجنب غضب أنصاره يثير الاشمئزاز، ومع ذلك فإن هذا الفساد هو سمة من سمات السياسة بشكل عام. بمعنى أن الحزب الديمقراطى كذلك وقع فى نفس المأزق وذلك عندما دعم الرئيس الأمريكى آنذاك جو بايدن، ودفعتهم الضغوط (من سياسات الهوية إلى إسرائيل إلى التضخم) للإصرار على أنه يتمتع بلياقة بدنية عالية وذكاء حاد.
يصدق الأمر كذلك على العديد من وسائل الإعلام، واعتبارها متواطئة، ذلك أن الخوف من إهانة جماهيرها يدفعها إلى المزيد من التحيز والرقابة الذاتية أكثر من الموضوعية. وفى الواقع، قناة فوكس نيوز تخشى من جماهيرها إلى الحد الذى جعلها تستسلم لرغبتهم فى تصديق الكذبة القائلة بأن انتخابات 2020 سُرِقَت. ونتيجة لهذا خسرت القناة ما يقرب من 800 مليون دولار فى دعوى تشهير، وكل هذا لأن إخبار الحقيقة البسيطة كان له تبعات بالغة التعقيد.
حتى وكالة أسوشيتد برس، التى تواجه انتقاما تافها لرفضها اتباع قرار ترامب بإعادة تسمية خليج المكسيك إلى خليج أمريكا، لديها تاريخ طويل من عدم الالتزام بالمهنية. أى شخص يلتزم بأسلوب وكالة أسوشيتد برس لا يمكنه استخدام عبارة «المهاجرون غير الشرعيين»، بل يجب عليه استخدام كلمة «أسود». وحتى بعد أن أكد المسئولون فى إسرائيل أن امرأة إسرائيلية وطفليها قتلوا على يد خاطفيهم فى غزة، تواصل وكالة أسوشيتد برس ترديد أنهم «ماتوا فى الأسر». كلا، لقد قُتلوا فى الأسر.
أرجع كاتب المقال حالة عدم الثقة المنتشرة فى المجتمع الأمريكى إلى وسائل التواصل الاجتماعى والاستقطاب الحزبى وتسييس المؤسسات. وهذا هو الوسط المثالى لرئيس لا يهتم بالحقائق بل يهتم فقط بغروره ومجده. وهكذا أصبحت الإجابة على السؤال البسيط «من بدأ الحرب؟» معقدة للغاية، فى حين أن قول الحقيقة يتطلب درجة من الشجاعة ستجعل دائرة ترامب غير مؤهلة لمناصبها.
ترجمة وتحرير: ياسمين عبداللطيف