نظرية المؤامرة.. بين الواقع والأسطورة - العالم يفكر - بوابة الشروق
الأحد 16 مارس 2025 2:58 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

نظرية المؤامرة.. بين الواقع والأسطورة

نشر فى : السبت 15 مارس 2025 - 7:55 م | آخر تحديث : السبت 15 مارس 2025 - 7:55 م

نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالا لأستاذ أصول التربية بجامعة الإسكندرية، خالد صلاح حنفى، تحدث فيه عن طبيعة نظرية المؤامرة، والعوامل التى تساعد فى انتشارها، وما هى سبل مكافحتها... نعرض من المقال ما يلى:

تعتمد نظريات المؤامرة وفقا للعالم السياسى مايكل باركون على فكرة أن الكون محكوم بتصميم ما، فلا شىء يحدث بالمصادفة، ولا شىء يكون كما يبدو عليه، وكل شىء مرتبط بعضه ببعض. وتتغيّر هوية المتآمرين فى نظريات المؤامرة بتغيُر الثقافة والسياق. فَهم سَحرة أو ماسونيون أو متنورون أو فضائيون، أو سوى ذلك؛ فالبشر صنفان: متآمرون ذوو خطط فتاكة، ومتآمر عليهم. وهؤلاء نوعان: سواد أعظم من الجَهلة لا يتنبهون إلى المؤامرة، وقلة يقظة تُميز الحقيقة وتبصر الخلاص. وتصف نظريات المؤامرة المصدقين لها بصفاء البصيرة، فهم النخبة الناجية التى فهمت المؤامرة، وانحازت إلى الصواب والصلاح المعرفى والأخلاقى.

على الرغم من وجود المؤامرات فى حياة البشر فى العلاقات الأسرية، وبيئة العمل، وسراديب الحكومات، ودهاليز الأحزاب السياسية، وصفوف الجيوش، وأجهزة المخابرات، إلا أن ذلك لا يبرّر تعميمها على الإطلاق.

تتأرجح نظريات المؤامرة هبوطا وصعودا باختلاف الزمن والثقافة، لكنها تتصاعد عندما يشعر الناس بالارتباك والخوف من التغيرات الاجتماعية السريعة التى قد تحفزها تقنيات التواصل الجديدة. قديما تزامن انتشار المطابع فى أوروبا مع الهوس بمطاردة الساحرات، الذى وصل إلى ارتكاب المجازر الجماعية. أما فى القرن العشرين فقد أسهمت الصحف والإذاعات فى إفشاء الحديث عن المخلصين والأعداء والضحايا المحتملين، واليوم سهل الإنترنت نشوء مجتمعات عابرة للحدود تنظّر للمؤامرة وتفاصيلها.

ويتكون جمهور نظرية المؤامرة المثالى من أشخاص يصيبهم العجز وسط التغيرات المتتابعة، ويرون أنهم غير مسيطرين على مجريات الأمور التى يتحكم بها آخرون لا يعرفونهم ويتعاظم لديهم الشعور بتخلى الآخرين عنهم. ينطبق ذلك أيضا على شعوب الأنظمة الديكتاتورية، ما يعنى أن التخلف السياسى يُهيئ المناخ المناسب للمؤامرات.

•  •  •

تنتشر «نظرية المؤامرة» فى أنحاء العالم، والتى يبدو أنها باتت ترسم سياسات الدول وتبلور ثقافة الجماهير؛ فقد بدأ قرننا الحادى والعشرون بـ«حرب عالميّة على الإرهاب» التى اختزلت عشرات النزاعات المسلحة فى قصة سردية متجانسة خارج السياق جعلتها حربا بين فرسان صالحين ومتآمرين شيطانيين. حرب لم ينظر إليها على أنها نظرية مؤامرة أو شعار تسويقى.

بعد عقدين صار دونالد ترامب زعيما لما سمى بـ«عصر ما بعد الحقيقة»، الذى يلتبس فيه الحق على الناس مع كثرة المعلومات، وقد وظّف ترامب وسائل التواصل الاجتماعى بتأييده نظرية مؤامرة تدعى أن النخبة الليبرالية المتآمرة أخفت أن باراك أوباما لم يكن مؤهلا للترشح إلى الرئاسة، لأنه لم يولد فى الولايات المتحدة، وصور ترامب نفسه على أنه من عامة الناس وضحية للجماعات الخبيثة. وقد استفاد ترامب من حركة «كيو أنون»، وهى سلسلة نظريات مؤامرة تدعى أن شخصيات بارزة كهيلارى كلينتون متورّطة فى التحرّش والاتجار بالأطفال، وأنها تتآمر على رئاسة ترامب، وأن الحزب الديمقراطى زوَر نتائج انتخابات العام 2020 بالتحالف مع جهات تنتمى إلى الدولة العميقة. وقد آمن بهذه الادعاءات 53 فى المائة من أنصار الحزب الجمهورى، أى ملايين من الشعب الأمريكى.

تتوارى العنصرية وراء كثير من مشروعات ترامب السياسية، ومنها نظريته عن أوباما والوعد ببناء جدار على حدود المكسيك وحظر دخول مواطنى ومواطنات بعض الدول إلى الولايات المتحدة، وتبنيه النسخة الأمريكية من نظرية مؤامرة «الاستبدال العظيم»، التى تؤكِّد أنّ الحزب الديمقراطى وغيره من الليبراليين يهدف إلى تدمير الأكثرية الأمريكية باستبدال الأمريكيين البيض بمهاجرين ملونين ينتمى أكثرهم إلى «حثالة الدول»، كما وصفهم ترامب.

تدعى النسخة الأوروبية من نظرية «الاستبدال العظيم» أن المسلمين يشكلون تهديدا سكانيا، كما يقول رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان. وقد تبنى مرشحو اليمين المتطرف نظرية المؤامرة هذه أثناء الانتخابات الرئاسية الأخيرة فى فرنسا، وكرّرتها مرشحة يمين الوسط فاليرى بيكريس لاستقطاب ناخبى اليمين المتطرف. وبالمثل؛ ادعى الرهبان البوذيّون فى دولة ميانمار(بورما) أن ضحاياهم من فقراء وصيادى الروهينجا وفلاحيها يمثلون تهديدا سكانيا منظما قضى على البوذية فى بعض المناطق، ولاسيما فى باكستان وأفغانستان.

ويبدو أن نظريات المؤامرة ميدان مشترك بين اليمين واليسار؛ فبعد إخفاق اليسار فى تطوير فكر اقتصادى واجتماعى يلائم العالم المعاصر، انتقل بعضهم من التحليل المادى إلى التحليل الغيبى، وتحلوا بهوس الصراعات بين الدول. فقد لجأ جيرمى كوربين ونعوم تشومسكى إلى تحديد فسطاط الشر فى الولايات المتحدة، وبريطانيا وإسرائيل، ثم قاما بالدعوة إلى دعم فسطاط الخير الصامد فى وجه هذا العدو الإمبريالى. وبالطبع؛ فإن العالم أكثر تعقيدا مما توحى به هذه النظرة البسيطة؛ فاليسار الذى يرى الإمبريالية الأمريكية منبع الشر، عاجزون عن الإقرار بخطر الفاشية الصربية على أبناء البوسنة وكوسوفو، فى حين أنهم يلومون حلف شمال الأطلسى على ما حصل فى البلقان.

•  •  •

لقد تحولت نظرية المؤامرة مع مرور الوقت إلى أيديولوجيا فى الذهنية العربية، وأصبحت منهج التفسير الأساسى للأحداث والوقائع، ويعود ذلك لأسباب عدة منها السياق الزمنى الطويل للهزيمة والانكسار الذاتى والجمعى الذى أوجد بيئة خصبة للتعايش مع نظرية المؤامرة لعقود طويلة من الانتكاسات؛ فتحوّلت من أداة تحليل غير علمية إلى عقيدة وأيديولوجيا لدى فئات ليست قليلة من الناس فى مجتمعات منطقتنا، إذ تعانى المجتمعات العربية من مشكلات شتى، ولها أسبابها، وبدلا من أن تحمّل نفسها أو الفساد العام مسئولية الإخفاقات الاقتصادية والعسكرية والسياسية، يسهل عليها اتهام المخططات الخارجية أو التحريض على الأقليات الطائفية. وبسبب تفشى الإحباط والرقابة والخوف، تنتشر قصص تعكس الهموم المحلية، ثم تتحول إلى تفسيرات طريفة للأحداث العالمية. خير مثال على هذا الفترات الأولى لتفشى وباء كورونا (كوفيد-19)، ونظرية أن شركات الأدوية متآمرة علينا بتصنيع وباء كورونا من أجل كسب الأموال.

•  •  •

إن انتشار «نظرية المؤامرة» والأخبار الكاذبة بأشكالها بين أفراد المجتمع، تدعمه البيئة الاجتماعية، والجهل بالقصة المنشورة، وانعدام الوعى بأهمية التحقق من صحة ما يراه الفرد، وتجاهل الحذر من إعادة النشر قبل التأكد من صحة ما يرى أو يشاهد، وعملية نشرها عن عمد أو من دون قصد هو فعل تضليلى ينبغى، فى سبيل مكافحته، تقوية مناعة المتلقين للأخبار الكاذبة بالتوعية بأخطارها فى المقام الأول، ونشر الوعى بأهمية التحقق من كل ما نراه، أو على الأقل اللجوء إلى الخبراء، وتحليل الأخبار الزائفة، إضافة إلى أهمية معرفة أن خداعنا بما هو منشور قد يأتينا فى أشكال مختلفة من دعايات وكذب وإشاعات.

علينا الآن أن نتذكر دائما، وأن نُذكّر من حولنا، بأن الأحداث ربما تقع من تلقاء نفسها أو بمنطق معقد لا نستطيع إدراكه؛ فالحياة أعقد من قدرتنا البشرية على الإحاطة بفهمها، وبأنه لا سيطرة مطلقة فيها لمرء بعينه، وبأنه لا وجود للأخيار والأشرار، بل للبشر. فالأخيار أنفسهم أشرار حينا أو بجوانب ما والأشرار أخيار أحيانا أو بجوانب أخرى. لا شىء ثابت، كل شىء يتغير باستمرار، وليس هناك من طرق مختصرة لفهم الأمور.

 

النص الأصلى:

 

   

التعليقات