كيف تُؤجج «التسميات الجغرافية» الصراعات الدولية؟ - العالم يفكر - بوابة الشروق
الثلاثاء 11 فبراير 2025 3:48 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

كيف تُؤجج «التسميات الجغرافية» الصراعات الدولية؟

نشر فى : الأحد 9 فبراير 2025 - 7:05 م | آخر تحديث : الأحد 9 فبراير 2025 - 7:05 م

 

نشرت مؤسسة «إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية» مقالا للكاتب أحمد عبدالعليم حسن، أورد فيه بعض الأمثلة على إطلاق بعض الدول تسميات جغرافية مختلفة على نفس المناطق، وما هى تداعيات التمسك بهذه التسميات على استقرار العلاقات الدولية.. نعرض من المقال ما يلى:

لم يكن الجدل المُثار عقب إعلان الرئيس ترامب فى يناير 2025 تغيير تسمية «خليج المكسيك» إلى «خليج أمريكا»، سوى أحد مظاهر النزاعات المرتبطة بين بعض الدول بالتسميات الجغرافية؛ إذ يتباين توظيف تلك الأسماء من جانب الدول للمناطق الجغرافية سواء البرية أو حتى البحرية فى العلاقات الدولية فى إطار تسييس التسميات الجغرافية، وإقرارها فى الخرائط التابعة لها. فالتسمية الجغرافية ليست مجرد تعبير عن مكان، وإنما هى تعبير عن القوة والسيطرة فى التفاعلات الدولية، وبما قد يدعم المطالبات الإقليمية، أو يؤكد سيادة دولة فى مواجهة دولة أخرى.

•  •  •

تتعدد الأمثلة المرتبطة باختلاف التسميات الجغرافية بين بعض الدول فى أقاليم العالم المختلفة، وذلك كما يلى:

أولا: تغيير إدارة ترامب اسم «خليج المكسيك» إلى «خليج أمريكا»، وجاء فى متن البيان أن المنطقة المعروفة سابقا باسم خليج المكسيك كانت منذ فترة طويلة جزءا لا يتجزأ من التاريخ الأمريكى. وقد قوبل الموقف الأمريكى بانتقاد لاذع من جانب المكسيك. وقدمت رئيسة المكسيك اقتراحا مضادا بأن يتم إطلاق اسم «أمريكا المكسيكية» على أمريكا الشمالية؛ نظرا إلى أن تلك المنطقة كانت يطلق عليها هذا الاسم سابقا فى خرائط تعود إلى عام 1607.

ثانيا: خلاف روسيا وأوكرانيا حول تسمية «القرم»، حيث اتجهت موسكو إلى تسميتها «جمهورية القرم»، واعتبرتها جزءا من أراضيها عقب ضمها فى عام 2014، فى حين ترفض أوكرانيا والولايات المتحدة والدول الغربية ذلك، وتصر على اسمها الرسمى شبه جزيرة القرم الأوكرانية، حتى إن المنظمات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة، ترفض كذلك التسمية الروسية وتعتبر شبه جزيرة القرم جزءا من أوكرانيا.

ثالثا: الاختلاف حول تسمية «تايوان» على المستوى الدولى، إذ تعتبر الصين تايوان جزءا لا يتجزأ من أراضيها، وتُمارس ضغوطا دبلوماسية مكثفة لمنع الاعتراف الدولى بتايوان ككيان ذى سيادة، ونتيجة لذلك يتم الإشارة إلى تايوان فى العديد من المحافل الدولية باسم «تايبيه الصينية» بدلاً من اسمها الرسمى جمهورية الصين، ويُعد هذا التوصيف بمنزلة حل توفيقى يسمح لتايوان بالمشاركة فى فعاليات دولية كالألعاب الأولمبية علاوةً على عقد بعض الاتفاقيات التجارية.

•  •  •

من شأن تمسّك الدول بتسميات جغرافية مختلفة حول مناطق بعينها أن يحمل عددا من التداعيات التى يمكن تناولها على النحو التالى:

أولا: تنامى التنازع حول الحقوق السيادية بين الدول حيث تصبح التسمية أداة سياسية تُستخدم لتعزيز مطالبات إقليمية أو نفى شرعية سيادة طرف آخر؛ إذ إن إصرار دولة ما على استخدام تسمية معينة لمنطقة متنازع عليها، يؤكد سيادتها عليها فى المحافل الدولية، ما قد يؤدى إلى تصعيد الخلافات القانونية والدبلوماسية بين الدول، علاوةً على توجه الدول إلى تثبيت التسميات الجغرافية فى المناهج الدراسية وعلى الخرائط التابعة لها فى محاولة لإثبات الحقوق السيادية فى مواجهة الطرف الآخر.

ثانيا: تأثيرات سلبية على العلاقات مع الأطراف الثالثة، حيث تسعى كل دولة من الدولتين محل النزاع على التسميات الجغرافية لمناطق برية أو بحرية مشتركة، إلى محاولة استقطاب أطراف ثالثة من أجل تبنى السردية نفسها، انطلاقا من الاعتراف بالتسمية الجغرافية، وهو ما قد يحمل تبعات سلبية على تفاعلات الأطراف الثالثة مع الدول محل النزاع، خاصةً أن أى اعتراف دولى لأى دولة من الدول المتنازعة يعزز سرديتها وموقفها فى مواجهة الدولة الأخرى.

ثالثا: التوسع فى استدعاء الدول للمظالم التاريخية بما يحمله ذلك من تأجيج العلاقات بشكل أكبر مع الدول الأخرى، وبما يعرقل أى مساعٍ للتسوية، خاصةً مع تشكُّل رأى عام محلى يمثل عامل ضغط على الأنظمة السياسية والحكومات.

رابعا: تصاعد فرض «الواقع الجديد» فى العلاقات الدولية، فالدول والحكومات تستخدم هذه الأسماء كأداة سياسية لترسيخ سيادتها أو التأثير على الرأى العام العالمى. على سبيل المثال، عندما أطلق الرئيس الأمريكى دونالد ترامب اسم «خليج أمريكا» على خليج المكسيك، كان ذلك محاولة لتأكيد الهيمنة الأمريكية على المنطقة، رغم أن هذا الخليج معروف عالميا باسمه الأصلى، ومن ثم فإن مثل هذه التسميات تعكس توجه الدول إلى فرض واقع جديد يهدف إلى تقويض المطالبات السيادية للطرف الآخر، أو إعادة تشكيل الإدراك الجغرافى وفقا لمصالحها السياسية.

•  •  •

ختاما، النزاعات المرتبطة بالتسميات الجغرافية ليست مجرد اختلافات مرتبطة باللغة أو بالسردية، وإنما هى نزاعات متجذرة فى العلاقات الدولية، ومع توجُّه بعض القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين إلى توظيف التسميات الجغرافية لتعزيز مصالحها وأمنها القومى، فمن المرجح أن يُشجع ذلك دولا أخرى على عدم القبول بأى حلول وسط حول النزاعات المرتبطة بالتسميات الجغرافية فى المستقبل القريب.

النص الأصلى

التعليقات