فرص ومخاطر دمج مؤثري التواصل الاجتماعي في الإعلام التقليدي - العالم يفكر - بوابة الشروق
السبت 8 فبراير 2025 12:29 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

فرص ومخاطر دمج مؤثري التواصل الاجتماعي في الإعلام التقليدي

نشر فى : الجمعة 7 فبراير 2025 - 7:15 م | آخر تحديث : الجمعة 7 فبراير 2025 - 7:15 م

 قررت إدارة الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، فى 29 يناير 2025، السماح للمؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعى بحضور المؤتمرات الصحفية لتغطية نشاطات البيت الأبيض، وهو ما يطرح للنقاش مسألة الدور المتصاعد لوسائل الإعلام غير التقليدية، بما فى ذلك مؤثرو وسائل التواصل الاجتماعى والمدونون ومقدمو البودكاست وغيرهم.

وفى المقابل، تواجه وسائل الإعلام التقليدية تحديات وجودية، منذ ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وما تبعها من انتشار واسع لوسائل الإعلام الرقمية؛ حيث إن عدد متابعى الصحف المطبوعة والقنوات التلفزيونية فى تراجع ملحوظ بمرور السنوات؛ ما أثر بشكل كبير فى عائداتها الإعلانية وأرباحها التشغيلية. ووفقا لتقرير «الأخبار الرقمية 2024» الصادر عن مؤسسة «رويترز» للصحافة، انخفض معدل اعتماد الجمهور على الصحف التقليدية كمصدر للأخبار إلى 22% من إجمالى مصادر الأخبار، بانخفاض 10% مقارنةً بعام 2018. بينما أصبحت وسائل التواصل الاجتماعى، وخاصةً محتوى الفيديو الإخبارى القصير، المصدر الرئيسى للمعلومات بالنسبة للأجيال الشابة؛ مما يعكس تحولاً جوهريا فى عادات استهلاك الأخبار.

وهذا المشهد الإعلامى الجديد دفع وسائل الإعلام التقليدية للتفكير فى أساليب مبتكرة لجذب الجمهور واستعادة هيمنتها على المشهد الإعلامى، ومن بينها دمج مؤثرى وسائل التواصل الاجتماعى فى وسائل الإعلام التقليدية بعد أن تزايد دورهم فى الفترة الأخيرة. فوفقا لاستطلاع رأى أجرته  (Statista)  فى عام 2023، حول مدى ثقة جيل الألفية حول العالم فى توصيات المنتجات أو العلامات التجارية التى يقدمها مؤثرو وسائل التواصل الاجتماعى فى جميع أنحاء العالم، قال 36% من المُستطلعة آراؤهم إن توصيات المؤثرين أكثر موثوقية مقارنةً بالإعلانات التقليدية.

• • •

يؤدى مؤثرو وسائل التواصل الاجتماعى دورا حيويا ومتزايد الأهمية فى صناعة الإعلام، فى ظل قدرتهم على تقديم محتوى شخصى ومبسط يُلبى احتياجات فئات محددة من الجمهور الذى يميل أغلبه إلى متابعة المحتوى الذى يقدمه أشخاص يتواصلون معهم بشكل شخصى ويشعرون بقربهم. وهذا ما يجعل منصات مثل «تيك توك» و«إنستجرام» جذابة بشكل خاص؛ لأنها تقدم محتوى سريعا وشخصيا يعكس حياة وتجارب المؤثرين. فعلى سبيل المثال، يقدم المؤثرون فى مجالات الصحة واللياقة البدنية معلومات مرتبطة بنمط حياة صحى؛ ما يجعلهم مرجعا أساسيا لمتابعيهم. ويعزز دور المؤثرين فى صناعة الإعلام مجموعة من العوامل، أبرزها ما يلى:

1- سهولة الوصول: تُقدم وسائل التواصل الاجتماعى الأخبار بشكل أسرع وفى صيغ مختصرة؛ مما يتناسب مع نمط الحياة السريع للمستخدمين.

2- التفاعل: يتمكن المستخدمون من التفاعل مباشرةً مع الأخبار والمشاركة فى النقاشات؛ مما يعزز إحساسهم بالمشاركة والتأثير.

3- الجاذبية البصرية: غالبا ما يكون المحتوى الرقمى مدعما بالصور والفيديوهات الجذابة التى تجذب انتباه الجمهور بشكل أكبر من النصوص الطويلة.

• • •

بدأت ظاهرة اعتماد الإعلام التقليدى على المؤثرين تبرز بوضوح منذ منتصف العقد الماضى، خاصةً مع الانفجار الكبير فى استخدام وسائل التواصل الاجتماعى. وكانت أولى المبادرات التى جذبت الأنظار من قِبل صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية فى عام 2017، عندما أطلقت حملة تعاون مع مؤثرى «إنستجرام» لتقديم محتوى خبرى موجّه لجيل الألفية. وجاءت هذه المبادرة كرد فعل للتراجع الكبير فى عدد قراء الصحف التقليدية، والرغبة فى الوصول إلى جمهور جديد يعتمد بشكل متزايد على المنصات الرقمية.

وفى عام 2019، اتخذت شبكة «سى. إن. إن» الإخبارية خطوة مشابهة، حيث أطلقت برنامجا قصيرا عبر «تيك توك» بالتعاون مع مؤثرين مشهورين لتقديم تقارير إخبارية بطريقة مختصرة وجذابة تناسب طبيعة المحتوى الشائع على هذه المنصة.

ويميز هذه المبادرات قدرتها على دمج أسلوب المؤثرين الشخصى مع المعايير الصحفية التقليدية. فعلى سبيل المثال، فى تجربة «واشنطن بوست»، كان المؤثرون يعملون عن كثب مع فرق التحرير لضمان أن المحتوى يلتزم بالدقة والحيادية المطلوبة، وقد ساعدت هذه الشراكة على جذب جمهور جديد دون التضحية بالقيم الأساسية للصحافة.

• • •

يبدو مستقبل اعتماد وسائل الإعلام التقليدية على المؤثرين واعدا إذا تم تبنيه بطريقة استراتيجية، فالتجارب الناجحة تثبت أن الجمع بين الأصالة الصحفية والإبداع الرقمى يمكن أن يخلق نموذجا جديدا للإعلام يتماشى مع تطلعات الجمهور المعاصر. وهذا النهج قد يكون حجر الأساس لإعادة بناء الثقة بين وسائل الإعلام التقليدية والجمهور، خاصةً فى عصر قد تهيمن فيه الأخبار المزيفة والمعلومات المغلوطة على المشهد الرقمى، بيد أن اعتماد الإعلام التقليدى على المؤثرين ربما يحمل فرصا ومخاطر.

وتتمثل أهم الفرص فى مدى نجاح الإعلام التقليدى فى التكيف مع متطلبات العصر الرقمى مع الحفاظ على القيم الصحفية الأصيلة، من خلال إنشاء نموذج هجين يجمع بين التحليل العميق والجاذبية البصرية التى تتماشى مع تطلعات الجمهور. إضافة إلى ذلك، قد يؤدى تبنى التكنولوجيا، مثل الذكاء الاصطناعى، إلى تحسين كفاءة عمليات الإنتاج الصحفى وتقديم محتوى مخصص لكل مستخدم بناءً على اهتماماته. ويتيح هذا النهج للمؤسسات الإعلامية استعادة جزء من الجمهور الذى انجذب نحو منصات التواصل الاجتماعى.

فى المقابل، قد يؤدى الاعتماد المفرط على المؤثرين دون وضع معايير واضحة، إلى تراجع جودة المحتوى وفقدان الهوية الصحفية التقليدية. فعلى سبيل المثال، فإن تجربة بعض الصحف الكبرى فى أوروبا والولايات المتحدة، التى اعتمدت على مؤثرين لتقديم تقارير إخبارية، أثارت جدلاً واسعا بعد نشر تقارير غير دقيقة أثرت فى مصداقيتها. ويتوقف نجاح نهج الاستعانة بالمؤثرين فى وسائل الإعلام التقليدية على عدة عوامل، أبرزها ما يلى:

1- التفاعل مع الجمهور: يعتمد نجاح المؤثرين بشكل كبير على قدرتهم على خلق تفاعل حقيقى مع متابعيهم؛ ومن ثم فإن تمكُن المؤثر من دمج الرسالة الصحفية مع أسلوبه الشخصى قد يسهم فى تعزيز الثقة فى وسائل الإعلام التقليدية.

2- الالتزام بالمصداقية: يحتاج التعاون بين الإعلام التقليدى والمؤثرين إلى معايير واضحة تضمن الالتزام بالمصداقية، وقد ظهر هذا التحدى جلياً فى تجربة صحيفة «الجارديان» البريطانية التى واجهت انتقادات بعد أن تعاونت مع مؤثرين لم يلتزموا تماما بالمعايير الصحفية.

• • •

يواجه الإعلام التقليدى مرحلة تحول مفصلية فى ظل هيمنة الإعلام الرقمى والمحتوى المقدم عبر وسائل التواصل الاجتماعى، وهو ما يزيد الضغط عليه لإعادة النظر فى استراتيجياته وتكييف نماذج عمله مع متطلبات العصر الرقمي. ويمكن فى هذا الصدد الإشارة إلى سيناريوهين هما:

1- السيناريو المتفائل: يتمثل فى نجاح المؤسسات الإعلامية التقليدية فى الاستفادة من مزايا الإعلام الرقمى دون التفريط فى مبادئ الصحافة المهنية. فقد نشهد ظهور منصات هجينة تقدم محتوى يجمع بين التفاعل الفورى عبر وسائل التواصل الاجتماعى والتحليل العميق المرتبط بالإعلام التقليدى. وقد تستخدم هذه المنصات الذكاء الاصطناعى لتحليل اهتمامات الجمهور وإعداد تقارير مخصصة؛ ما يسهم فى استعادة الثقة وتعزيز قاعدة المتابعين.

2- السيناريو المتشائم: هو استمرار هيمنة وسائل التواصل الاجتماعى والمؤثرين على حساب الإعلام التقليدى؛ حيث إن فشل المؤسسات التقليدية فى التكيف مع متغيرات السوق وعدم الاستثمار فى بناء قدرات رقمية مبتكرة، قد يؤدى إلى تقلص كبير فى حضورها وتأثيرها. والفشل هنا لا يقتصر على فقدان الجمهور فقط، بل يمتد إلى تآكل الثقة التى بُنيت على مدار عقود بين وسائل الإعلام التقليدية والمجتمع، وهو ما قد يؤدى فى النهاية إلى إغلاق العديد من المؤسسات الإعلامية التقليدية أو تقليص عملياتها بشكل كبير؛ ما يفتح المجال أكثر لسيطرة المنصات الرقمية.

خلاصة القول، إن التحدى الأكبر الذى يواجه الإعلام التقليدى فيما يتعلق بدمج مؤثرى وسائل التواصل الاجتماعى، هو كيفية تحقيق التوازن بين الجودة الصحفية والقيم المهنية من جهة، ومتطلبات الجمهور الرقمى من جهة أخرى. ويتطلب التغلب على هذا التحدى رؤية استراتيجية تستند إلى الابتكار الرقمى والجاذبية التى تتطلبها المنصات الحديثة مع الالتزام بالقيم الصحفية التى تشكل جوهر الإعلام التقليدى. كما أن تبنى التقنيات المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعى وتحليل البيانات، قد يمنح المؤسسات الإعلامية التقليدية ميزة تنافسية تمكنها من تقديم محتوى مخصص وملائم للجمهور. أيضا، يمكن للمؤسسات الإعلامية التقليدية استهداف فئات الشباب عبر أدوات أكثر إبداعا. وفى هذا السياق، قد تصبح التجارب الإعلامية المغامرة باستخدام تقنيات مثل «الواقع المعزز» و«الواقع الافتراضى» جزءا من استراتيجيات الإعلام التقليدى، فى محاولة لمنافسة المحتوى الرقمى الجذاب.

 

آية يحيى

مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة

النص الأصلي

 

التعليقات