رؤية لمصيرنا السلبى أمام أعيننا - العالم يفكر - بوابة الشروق
الإثنين 13 يناير 2025 2:49 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رؤية لمصيرنا السلبى أمام أعيننا

نشر فى : الأحد 12 يناير 2025 - 6:10 م | آخر تحديث : الأحد 12 يناير 2025 - 6:10 م

نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالا للكاتب أحمد فرحات، تناول فيه المطلوب منا فعله - كعرب - للحفاظ على ثقافتنا العربية وسط التطورات السياسية المتلاحقة، خاصة ما يسمى بالمشروع الشرق الأوسطى الجديد... نعرض من المقال ما يلى:
هل بات على الثقافة العربية أن تستمر فى الصمت أو الحيدة أو التفرج الآلى على المشهد السياسى المتهافت بداعى استبعادها منه؟
القبول بالأمر الواقع، وفهم المستجدات الجديدة والطارئة بتلاحق، لا يُترجم فى المقابل بسقوط الهوية، والتهيّؤ للقبول بما يطرح كبديل منها. حتّى لو وصلتِ الخلافات السياسية إلى ذروتها فى السلب المفتوح.. حتى لو ابتلينا بمزيد من الحروب الأهلية العربية، المعلنة منها والمستترة، فلا يعنى ذلك أننا صرنا قوما آخرين، أو أناسا ينتمون إلى ثقافة أخرى، أو حضارة أخرى.. سنظل عربا وستظل شعوب الأمم الأخرى تنظر إلينا كعرب. فما سمى بالمشروع الشرق الأوسطى الجديد بالتأكيد سيأتى على حساب الهوية العربية وتاريخها.
المطلوب من ثقافتنا العربية الآن، ألا تستمر فى مراقبة المشهد والتفرج السلبى عليه، خوفا وترددا. إن على هذه الثقافة أن تتحرر من الضيق الذى يُكبّلها، ولا يكون ذلك إلا بالتفتيش عن نقاطٍ مضيئة، تدفعنا، ولو واهمين، إلى أمام. والوهم هنا يعنى مداناة الواقع الميئوس منه بعقلانية مضاعفة.. عقلانية تستمد مقوماتها من استهداء العقل بتجاربه ودروسه، وإمكان الاستفادة من هذه الدروس، حاضرا ومستقبلا.
إننا نحتاج إلى التحصن بثقافة واقعية تناهض «الواقعية الجديدة»، تلك التى تُفرض فرْضا علينا.. واقعية قوامها العقل المُتحقق الذى يقرأ المعقد فى البسيط والبسيط فى المعقد، ويقول الأشياء فى مناسباتها الواقعة. إننا نحتاج إلى نقْل عقلنا الحائر من منطقة السؤال: لماذا؟ إلى منطقة السؤال: لِم لا؟
وإن كان ثمة متسع لذكر ملاحظة فى هذا الإطار، فهى أنه ينبغى أن نجترح فينا تلكم القدرة على ابتكار البراعة الوقائية.. أى البراعة التى تجنّبنا التنازل الجوهرى عن حقوقنا فى التاريخ والسيرورة، وتجعلنا بالتالى أكثر قدرة على استخلاص النتائج من فصل الانجرار إلى «أسطورة» الأمر الواقع الجديد، والتسليم المُطلق برسْم مصيرنا سلبيّا أمام أعيُننا.
مقطع القول، حرى بنا ألّا نستسلم للنضوب جراء النضوب عيْنه، فى المسار والرؤية والهدف، وذلك مهما كان الثمن وغلت التضحيات.
• • •
مطلبنا من الثقافة ألا تسمح بالمزيد من نبذ نفسها. إننا لا نريد أن نقع فى ورطة أشق من تلك التى نحن فيها. إن توالى الانطفاءات ينبغى ألا يجعلنا فى حال هاربة، حال فزعة حتى من نفسها.
باتتْ مسألة الحفاظ على العقل باعتباره ملَكة عارفة، من الضرورات الملحة والحاسمة هذه الأيام.. العقل السليم فينا.. العقل الذى يقرأ المُتباينات والمتغيرات، ويحلل ما يدور خلف الكواليس وأمامها.. إنه هو الذى يُترجم بقاءنا على قَيد الحياة، وقدرتنا على رسم المواجهات والتحديات على اختلافها.
الهزيمة ليست عيْبا.. الهزيمة فيها من الأسئلة الاختبارية الدرامية ما لا يُحصى، ولكن دائما من أجل المراجعة والنقد وتصوّر المعالجات. إنها أيضا رؤية ونظر مفاضلة مع ما كناه، وما نحن فيه، وما سنكون عليه.
ثقافتنا على الرغم من كل شىء، لا تزال، وإن فى حدود معينة، راسخة وقادرة على أن تصمد وحتى تنافس فى عالم اليوم؛ ولكن بشرط واحد، هو أن تَكسب هذه الثقافة فعلا رهان التحديث الجوهرى والدخول فيه من أوسع الأبواب.
غير أن ترجمة مثل هذا الرهان على الأرض لا تزال، مع الأسف، مُتعذرة بسبب ما نُواجهه عَربا من تمزيق وجود، وتقليص حضور من طَرف السياسة المتسلطة علينا ببُعدها الأجنبى المباشر وغير المباشر.
على أن هذا، فى المقابل، لا يعفينا عربا من واقع الاستسلام لفائض العجز والضعف والتشتّت، وكذلك الهرب من المواجهات والتحديات النازلة ضَربا وتفتيتا فى وجودنا ومصيرنا الشامل العامّ.
الشاعر والمفكّر أدونيس طَرح منذ سنوات طويلة هذا السؤال: ما النتيجة التى تتركها لنا التجربةُ السياسية العربية منذ الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918) إلى اليوم؟
وتولى هو بنفسه الإجابة عن سؤاله بالقول: «لا شىء غير الفشل وطعم الرماد. والفشل أكثر من أن يكون فشل نظام، إنه فشل مرحلة تاريخية، والرماد ليس مجرد غيمة، وإنما يكاد يكون أرضا فوق الأرض».
وأردف أدونيس: إن وهم التحرر انتهى. أزياء الوحدة تمزَقت؛ وضوء القومية يكاد يخبو... وها أنت أيها العربى تُسحق من كل جانب باسم الدفاع عن وجودك حينا، وباسم الهجوم على وجودك حينا آخر». وخلص قائلا «فى أيامنا هذه ليس الفكر العربى حركة تحليل واستقصاء، بل دوائر كلّ منها تنغلق على ذاتها».
• • •
على الرّغم من الصورة الأدكن اليوم على مثقفنا العربى الحقيقى أن يظل يومض بجوارح الكلام المسئول، والتعابير النقدية الجريئة، وخصوصا أننا بتنا لا نعرف أين ينتهى الماضى بين ظهرانينا ويبدأ الحاضر.. الحاضر بمعنى التفكير نحو المستقبل. فالماضى.. ماضينا لا يزال يزاحم حاضرنا على الحياة العربية، بل ويطرح نفسه بديلا منها.
المثقف أو المفكر العربى الجدى، ليس مخلوقا يَرضى بالأشياء من حوله؛ فالحيرة تُطارده هذه الأيام، وأشباح القلق تنقض عليه من كل صوب. مِن هنا هو يرى دوما نقائض الحياة تتلاقى وتأتلف أمام «موته اليومى».
وفى زمن سياسى عالمى يمشى المتسلطون فيه على رءوسهم الحامية، بهذا الشكل أو ذاك، نرى مثقفنا، فى المقابل، يفرض على نفسه نظاما قاسيا من الفهْم المتعقل للأمور، يحول بالتالى دون انهياره ودون إعادة بنائه الأفكار النهضوية داخل الزمان وفى المكان المرتبط كيانيا فيه.
أخيرا وليس آخرا، يَجب أن نُدرِك أن العروبة كهوية حضارية جامعة، هى مُستهدفة فى الصميم، وعلى مستوى الأرض العربية الممتدّة من آسيا إلى إفريقيا؛ فالآخر الإسرائيلى، ومن معه فى أغلب دول الغرب، لا يريدوننا أناسا على مبدأ الهوية العربية الجامعة لكل الفسيفساء الدينية والطائفية والمذهبية وحتى الإثنية المتآلفة أصلا معها على أرضنا منذ آلاف السنين. إنهم يريدوننا هكذا كتلا بشرية «دهماء» لا قيامة حرة لها البتة.. ويحاولون من جهة أخرى، تزوير كل شىء فى تاريخنا وتراثنا، وفرض منطق أنّ اليهود هم أصل المنطقة وفصلها، وأن العرب مجرد محتلين طارئين عليها، ووجب بالتالى طردهم من فلسطين، ومن بعض الأراضى العربية المجاورة لها، وغير المجاورة أيضا، والتى تشكّل جميعها، بالكلام والصورة، ما بات يسمى خارطة: «إسرائيل الكبرى»؛ ويفرضون ذلك، ليس على نظام التعليم فى الكيان الإسرائيلى وحده فقط، وإنما على أنظمة التعليم فى مختلف الدول الغربية المتحالفة معها، وغير المتحالفة أيضا، وفى الطليعة بينها الولايات المتحدة الأمريكيّة وبريطانيا.
***
يُلاحِظ الكثيرُ من المثقفين فى أوروبا والعالم اليوم أن البشرية لم تعد تَجِد فى زمننا الراهن مثقفين طليعيين وعمالقة من ذوى الفعالية والتأثير، يُدافعون عن قيم الحقّ والعدالة ورفض الظلم.


النص الأصلى:
https://bitly.cx/YyR3

التعليقات