سوريا الابنة الكبرى للتاريخ ضحية التاريخ - العالم يفكر - بوابة الشروق
السبت 11 يناير 2025 12:32 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سوريا الابنة الكبرى للتاريخ ضحية التاريخ

نشر فى : الجمعة 10 يناير 2025 - 7:15 م | آخر تحديث : الجمعة 10 يناير 2025 - 7:15 م

سوريا التى رأى فيها المؤرخ الفرنسى جان بيار فيليو «الابنة الكبرى للتاريخ»، هى من أعطت روما سبعة أباطرة، وجعلت زنوبيا ملكة تدمر تدق أبواب روما.. سوريا الأثيرة المكتنزة هذه صارت ضحية التاريخ، وكذلك ضحية الجغرافيا حين فى الأصل اقتطع الفرنسيون لواء الإسكندرون وقدموه لتركيا؛ وحين اقتطع الإسرائيليون مرتفعات الجولان التى كانت بمثابة السقف الصخرى لمدينة دمشق، وحيث ضريح أبى نصر الفارابى (قوة العقل) وضريح محيى الدين بن عربى (قوة الروح)، وتوج الإسرائيليون ابتلاعهم المزيد من الأراضى السورية باحتلالهم «جبل حرمون»، أعلى قمة فى سوريا ولبنان.

نصف قرن أو أكثر من حكم آل الأسد. فارق شاسع بين حافظ الأسد وبشار الأسد، إن فى إدارة الدولة أو فى إدارة الدم. الأول عاش كل التفاعلات السياسية والأيديولوجية التى أدت إلى مسلسل الانقلابات العسكرية، ما مكنه من الدخول الى خفايا اللعبة السياسية، وهى لعبة السلطة، حتى إذا ما وصل إليها فى العام 1970، كان عليه إعادة تشكيل معادلات القوة بصورة سريالية لتعكس حنكة الرجل.

كان حافظ الأسد أحجية بكل ما تعنيه الكلمة. لا تعرف ما إذا كان أمريكيا أم سوفياتيا، وكان يلعب بكل الأوراق، حتى بدا للقوى العظمى وكأنه اللاعب الذى لا يُمكن الاستغناء عنه. هنرى كيسنجر وصفه بـ«رجل البقاء والإضافات الصغيرة». كيف يمكن لسياسى عاشق للظل أن يستقطب كل ذلك الضوء؟!

• • •

حين قلت لوزير سابق كان من أركان عهد الأسد الأب، إن هذا الأخير دفع بابنه إلى المكان الذى انتهى إليه، أجابنى «أنا أتصور أنه من قبره قد اغتال بشار الأسد» الذى يفتقد الحد الأدنى من مواصفات «السيد الرئيس»، و«الفريق الركن»، و«القائد العام للقوات المسلحة». لا رؤية حصيفة له، ولا حنكة، ولا خلفية ثقافية أو سياسية، كما لو أن ريحا صفراء حملته إلى هذا المقعد.

شخصية عائمة. المشكلة بدأت مع اعتماده الكلى على أجهزة الاستخبارات التى احترفت «صناعة الفظاعات». لكأن دورها يقتصر على حماية النظام لتترك أبواب الدولة مشرعة أمام الحرائق. أدمغة صماء، وعيون صماء، من دون أى خبرة فى طبيعة القاعدة الفلسفية لدولة استقطبتِ العلماء والفلاسفة والشعراء والرحالة، إن من الغرب البعيد أو من الشرق البعيد.

• • •

كانت هناك خدعة قاتلة تدعى «محور المقاومة»، ليدخل لبنان فى الخراب، ولتدخل سوريا فى الخراب، وليدخل اليمن فى الخراب. العراقيون تنبهوا إلى ذلك، فكان القرار بعدم الانزلاق إلى ذلك الفخ الذى وقع فيه الإيرانيون وأوقعوا فيه حلفاءهم. ما حصل كان بمثابة هدية ذهبية لبنيامين نتنياهو الذى، إذ كانت تلاحقه دعاوى الفساد، كانت تهزه صورة سلفه فى رئاسة الحكومة إيهود أولمرت، وهو يتناول طبق الحساء فى زنزانته، بوجه أقرب ما يكون إلى وجه الهيكل العظمى.

ثمة زلزال حصل مع عملية «طوفان الأقصى» بهزات ارتدادية لم تتوقف حتى الآن. كلام كثير قيل عن تلك العملية التى كانت الحلقة الأولى فى سيناريو جهنمى حول غزة إلى ركام، وكاد يحول الضفة الغربية أيضا إلى ركام، كذلك مناطق لبنانية، وصولا إلى سوريا، بعدما كتبت «الفايننشال تايمز» التى جالت بين مصانع حلب فى العام 2010 عن «نمر غرب آسيا»، لتُفضى الحرب فيها، ليس إلى تفكيك الدولة السورية فقط، وإنما أيضا إلى تفكيك المجتمع السورى.

كلام دبلوماسى أوروبى عن صدام كاد ينفجر عند أبواب دمشق السبعة بين رجب طيب أردوغان الذى يخشى من تنفيذ الخطة الإسرائيلية الرامية إلى تحويل سوريا إلى دويلات طائفية وإثنية، ما يمكن أن ينعكس أوتوماتيكيًا على تركيا بمشكلاتها الطائفية والإثنية، وبنيامين نتنياهو الذى يتوجس من السيطرة التركية على المدينة التى لا تبعد سوى بضع عشرات الكيلومترات عن أماكن تمركز القوات الإسرائيلية، وفى إطار إعادة إحياء السلطنة العثمانية (باعتبار أن الفصائل المعارضة هى النيوإنكشارية للنيوعثمانية التى أطلقها أحمد داود أوغلو) ما يمكن أن يشكل خطرا على الأمن الاستراتيجى لإسرائيل.

لكن يبدو أن حكومة بنيامين نتنياهو تريد تعرية سوريا بالكامل من خلال احتلال الجزء السورى من جبل حرمون، وقد احتلته بالفعل، ما بات يمكن الإسرائيليين عمليًا الآن من رصد حتى صياح الباعة فى سوق الحميدية الدمشقى العريق، إضافة إلى خلع خط الاشتباك الذى تم الاتفاق عليه بين سوريا وإسرائيل فى يناير 1974 بوساطة هنرى كيسنجر، وإقامة منطقة عازلة تمكن تل أبيب، ليس من التحكم بالجنوب السورى فحسب، وإنما أيضا بإبقاء دمشق فى القبضة العسكرية الإسرائيلية.

تزامن ذلك مع مئات الغارات التى شنتها الطائرات الإسرائيلية، بحيث تم تدمير كل أسلحة الجو والبحر والبر، ومن دون أن تصدر عن السلطة الجديدة أى إشارة اعتراضية، ما يشى بطبيعة السيناريو الذى يتم تنفيذه خطوة خطوة، والذى لم ينته هنا.

المثير للذهول هنا أنه فيما كانت القاذفات الإسرائيلية تدمر المدن والقرى اللبنانية، صرح المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية آية الله خامنئى بـ «أننا أعدنا إسرائيل 70 سنة إلى الوراء». إسرائيل التى عادت أم لبنان؟ لنستعد تصريحا لقائد الحرس الثورى لا يقل غرابة (وهولا). «إذا اعتدت علينا إسرائيل، سنفتح أبواب جهنم عليها». كيف؟ بالحرف الواحد «حزب الله يمتلك 100000 صاروخ». هل أدركتم الآن ماذا يعنى محور المُمانعة؟

وكان زعيم حركة «كاخ» التى ترعرع فيها (سياسيًا وعقائديًا وزير الأمن القومى الإسرائيلى إيتمار بن غفير) الحاخام مئير كاهانا قد دعا إلى إعادة أعداء إسرائيل إلى ما قبل التاريخ. ربما ما يحدث الآن شىء من هذا بعدما كان زئيف جابوتنسكى قد سخر من اتفاقية سايكس- بيكو التى ينبغى أن توضع جانبًا، وصوغ خارطة جديدة للشرق الأوسط وفق الرؤية التوراتية، حتى رأينا وزير المالية بسلئيل سموتريتش يدعو قبل أشهر قليلة إلى «خلع أنياب ذئاب الشمال»، أى السوريين. فماذا يحصل لسوريا وللسوريين الآن؟.. أليس تآكل الوضع الداخلى هو السبب إلى ما آلت إليه سوريا؟ أصابع الاتهام تتجه إلى رؤوس النظام، وإلى رؤساء الأجهزة الأمنية.

• • •

التطورات على الساحتين اللبنانية والسورية حملت معلقين إسرائيليين على التساؤل حول ما إذا كان هناك من ضرورة أمنية لضرب إيران بعدما انتهى وجودها على حدود إسرائيل، مع تراجع هائل فى صدقيتها السياسية. على الوجه الآخر من الصورة، ثمة اتجاه إيرانى لانتهاج سياسة الانفتاح على العالم وتطوير علاقاتها بالمحيط، بعدما اكتشفت أن كل رهاناتها الجيوستراتيجية فى المنطقة، والتى سعت إلى تحقيقها على مدى أربعين عاما، قد تلاشت ربما خلال دقائق، ومن دون أن تستطيع حتى الدفاع عن أراضيها.

فى مطلق الأحوال، لو استخدمت السلطة الإيرانية شيئا من الحنكة ومن البراغماتية، لفاجأت العالم بامتلاكها القنبلة، لكنها لجأت إلى البروباجندا فى عدائها للولايات المتحدة، عل ذلك يحقق لها التمدد الجيوسياسى لتجِد نفسها محاطة بالسلاسل، كما بالعقوبات، وليوضع البرنامج النووى فى الضوء. أخطاء على مد النظر، إن على المستوى التكتيكى أو على المستوى الاستراتيجى.

من زمان قال المستشرق الفرنسى دومينيك شوفالييه «لكأن أزمنة الشرق هى أزمنة الألم». ماذا حين تفقد دمشق بهاءها؟ الماء جف من سنواتٍ طويلة فى بردى، ولم يعد الياسمين يزغرد حول نوافير الماء. هل كان للجلاد أن يعرف شكل الياسمين؟ ولنتذكر وصية نزار قبانى: وضع زهرة ياسمين على قبره. الآن، قد لا يكفى كل ياسمين دمشق لكل تلك القبور.

 نبيه البرجى

مؤسسة الفكر العربى

النص الأصلى

التعليقات