هل تحسن العلاقات المصرية التركية يعنى أن تسوء علاقتنا مع قبرص واليونان أو العكس؟
والسؤال الثانى: هل لو توترت العلاقات المصرية التركية فإن علاقتنا مع قبرص واليونان ستكون جيدة على طول الخط؟!
والسؤال الثالث والأخير: ما هو المعيار الذى يفترض أنه يحكم علاقتنا مع هذه الدول الثلاث؟
الإجابة فى السؤالين الأول والثانى هى «لا» قاطعة.
وإجابة السؤال الثالث، هى كلمة واحدة اسمها المصالح، ويمكن أن تتحول الكلمة إلى عبارة أو شعار رفعته مصر فى الخمسينيات والسيتينيات من القرن الماضى هو: «نصادق من يصادقنا ونعادى من يعادينا».
يوم الأربعاء الماضى انعقدت القمة المصرية اليونانية القبرصية فى قصر الاتحادية بمصر الجديدة.
وكنت حاضرا بعض وقائع هذه القمة مع زملائى الصحفيين والإعلاميين لمتابعة المؤتمر الصحفى للرؤساء الثلاثة، والتوقيع على مذكرات التفاهم، فى العديد من المجالات.
هذه القمة تنعقد للمرة العاشرة فى إطار آلية القمة الثلاثية التى بدأت منذ عام ٢٠١٤.
مرة ثانية فإن المصالح هى الأساس فى علاقات الدول، لكن بجانبها لا يمكن أيضا إغفال الصداقة والمواقف القوية فى اللحظات الحاسمة. وربما من يتأمل فى هذه العلاقات الثلاثية وغيرها من أنواع العلاقات فسوف يكتشف أنه حتى المواقف الحاسمة هى أيضا جزء من المصالح.
بعد ثورة ٣٠ يونيه ٢٠١٣ اتخذت العديد من دول العالم مواقف شديدة السلبية من مصر، وصلت إلى تجميد العلاقات وفرض عقوبات متنوعة، بل وتجميد عضوية مصر فى الاتحاد الإفريقى، ومن بين الدول القليلة التى ساندت مصر فى هذه الفترات الصعبة كانت اليونان وقبرص، إضافة بالطبع لبعض الدول العربية خصوصا السعودية والإمارات.
وخلال القمة لفت نظرى قول الرئيس القبرصى نيكوس خريستو دوليدس ما معناه: «فى عام ٢٠١٤ واجهت مصر تحديات صعبة، فى وقت كانت هناك تحديات كثيرة تواجه مصر. كنا هنا معكم فى وقت كان الكثيرون يطرحون علامات الاستفهام حول الاستقرار فى مصر، جئنا هنا واتخذنا خطوات لدعم مصر، واليوم فإن ما يجمعنا زاد كثيرا بعد التطورات فى غزة ولبنان وسوريا.
الرئيس عبدالفتاح السيسى كان واضحا حينما قال فى المؤتمر الصحفى: «نشكر قبرص واليونان على دورهما طوال السنوات العشر الماضية، هما كانتا منبر وصوت مصر فى أوروبا، وساندا مصر كثيرا داخل الاتحاد الأوروبى، فى وقت كانت كثير من دول العالم غير متفهمة لما يحدث فى مصر».
كلمات الرئيسين المصرى والقبرصى وكذلك رئيس الوزراء اليونانى كيرياكوس متسوتاكيس، كانت تؤكد على عمق العلاقات بين البلدان الثلاثة، بل إن الرئيس القبرصى قال إنه يشعر وهو يزور مصر بأنه فى بيته، ونعلم أن هناك تعاونا ثقافيا بين البلدان الثلاثة، ومنه مثلا مبادرة «إحياء الجذور ــ نوستوس» ودعم منظمة اليونسكو لدعم حفظ وتعزيز التراث المشترك للمبادرة.
ومن الواضح أن التوقيت لعب دورا مهما فى هذه القمة الثلاثية منها التطورات المتسارعة فى المنطقة، خصوصا سقوط نظام بشار الأسد فى سوريا، وقبله تحسن العلاقات المصرية التركية. وفى هذا الصدد هناك عاملان يبدوان متناقضان، الأول أن قبرص واليونان قد تخشيان أن التحسن فى العلاقات المصرية التركية سيكون على حساب علاقتها مع القاهرة.
وأظن أن البلدين تلقيا تطمينات مصرية مستمرة بأن ذلك غير وارد، فلا يمكن لمصر أن تنسى الموقف القبرصى اليونانى الداعم لمصر طوال السنوات العشر الماضية ليس فقط فيما يتعلق بثورة ٣٠ يونيه، بل أيضا بالتعاون فى منتدى غاز شرق البحر المتوسط، حيث تمثل الدول الثلاث أساس المنتدى.
والعامل الثانى أن البلدان الثلاثة تشعر بالقلق الشديد من تحول سوريا الجديدة إلى عامل قلق فى المنطقة إذا نجحت العناصر المتطرفة دينيا فى فرض رؤيتها وتصوراتها، وكان واضحا أن البيان الختامى للقمة الثلاثية أكد على أهمية الحفاظ على وحدة وسلامة وسيادة سوريا وأن تتسم العملية الانتقالية بالشمولية، والتعددية، وكذلك أهمية تحقيق الاستقرار الأمنى والسياسى فى ليبيا.
وهنا فإن العامل المشترك فى هذين الملفين هو تركيا ودورها المحورى منذ سنوات فى ليبيا ثم دورها الأساسى فى دعم إسقاط نظام الأسد فى سوريا.
ورغم كل ما سبق فإن المبدأ الحاسم الذى يفرض أن يحكم العلاقات عموما هو المصالح، وبالتالى فلا تواجد صداقات دائمة أو عداوات دائمة، فإذا توافقت مصالحنا مع أى دولة سواء كانت تركيا أو اليونان أو قبرص فأهلا وسهلا، وإذا نجحنا فى إقناع تركيا بتسوية خلافاتها مع اليونان وقبرص، خصوصا ترسيم الحدود البحرية وعدم الهيمنة على سوريا. فإن ذلك سيكون فى مصلحة جميع الاطراف بل ومصالح شرق المتوسط بأكمله.