فى مقال الأسبوع الماضى تكلمنا عن حصاد 2024 التكنولوجى، كان المقال نظرة للخلف. مقالنا اليوم هو نظرة للأمام ومحاولة استشراف المستقبل القريب جدا، أى ما يمكن أن نراه فى 2025. لكن يجب أن نضع فى الاعتبار أن ظهور تكنولوجيا جديدة وانتشارها أو إحلال تكنولوجيا أكثر تقدما لا يعتمد فقط على التكنولوجيا نفسها، لكن يعتمد على عدة أمور أخرى:
• هل التكنولوجيا الجديدة تحتاج ميزانية كبيرة لوضعها فى الخدمة مما يجعلها صعبة بالنسبة للدول التى تعانى من مشاكل اقتصادية؟
• هل التكنولوجيا الجديدة سهلة التقبل مجتمعيا؟ مثلاً منذ عدة سنوات ظهرت من شركة جوجل النظارات التى تحتوى على كاميرات، لم تحظ تلك التكنولوجيا بالتقبل الكافى وقتها لأن الناس لم تتقبل أن تتكلم مع شخص يرتدى تلك النظارات التى قد تقوم بالتسجيل دون علم الشخص الذى يتكلم مع صاحب النظارات.
• هل التكنولوجيا الجديدة قد تؤدى إلى اختفاء بعض الوظائف مما يؤدى إلى زيادة سريعة فى البطالة قد لا تكون الدول التى بدأت فى استخدام التكنولوجيا مستعدة للتعامل معها؟
• هل تلك التكنولوجيا الجديدة من باب الرفاهية فقط؟
• هل التخلص من التكنولوجيا القديمة التى ستحل محلها تلك الأكثر تقدما صعب أو مكلف؟ مثلاً لإحلال السيارات الكهربائية محل السيارات التى تستخدم الوقود الأحفورى يستلزم التخلص من السيارات القديمة أو تحديثها، هذا مكلف جدا ويأخذ وقتا.
هذه النقاط تمثل فقط بعض العوامل التى تؤثر على ظهور وانتشار تكنولوجيا جديدة. فى مقال اليوم سنرى بعض الأمثلة عن بعض التكنولوجيات التى قد تنتشر أو تظهر بصورة أكبر فى 2025.
• • •
المثال الأول هو استخدام الروبوتات المزودة بالذكاء الاصطناعى فى مجال خدمة العملاء. بعض الأبحاث التى قامت فى هذا المجال وجدت أن العملاء يجدون راحة فى التعامل مع تلك الأجهزة إذا أظهرت تلك الأجهزة بعض المشاعر. يجب أن ننظر لتلك الجملة بحذر. لا نعنى أن الأجهزة ستمتلك شعورا لكن فقط تظهر ما يشبه الشعور للعملاء مثل الترحاب أو الاهتمام إلخ. أيضا الجملة لا تعنى أن الأجهزة يجب أن تشبه البشر إلى حد كبير من حيث الشكل لكن فقط يجب أن يتم تصميمها بحيث تكون قادرة على إظهار ما يشبه المشاعر.
طبعا إظهار ما يشبه المشاعر دون القدرة على القيام بمهمة خدمة العملاء لا يعنى شيئا. لذلك يجب تطوير البرمجيات للقيام بالمهمة الموكلة إليها بكفاءة، هذا يعنى دراسة ملايين حالات خدمة العملاء التى كان يقوم بها البشر منذ عقود وبرمجتها ثم إعطاء البرمجيات القدرة على التعلم وتحسين كفاءتها وهذا موجود فى فرع الذكاء الاصطناعى. من المنتظر أن نجد انتشارا أكثر فى استخدام روبوتات خدمة العملات فى محلات التسويق والفنادق بالإضافة طبعا إلى خدمة العملاء عن طريق التليفون.
• • •
المثال الثانى متعلق أيضا بالتعامل مع العملاء. نحن فى عصر الرقمنة حيث نستطيع القيام بالعديد من المهام ونحن فى بيوتنا مثل شراء الطعام أو تأجير سيارة أو القيام بمعاملات بنكية إلخ. هذا التقدم التكنولوجى مهم ومفيد لكنه فى نفس الوقت يثير مشكلة كانت موجودة منذ فجر الرقمنة لكن أصبحت أكثر أهمية الآن: الخصوصية (privacy). كيف يمكن لمقدم الخدمة أن يتأكد من شخصيتك حين تريد القيام بمعاملات بنكية مثلاً وأنت فى بيتك؟ هناك الكثير من الطرق ظهرت بداية من كلمات السر وأسئلة السرية إلخ لكن هناك تكنولوجيا بدأت تنتشر فى هذا القطاع وهى ما يعرف بالقياسات الحيوية (biometrics) مثل بصمة العين أو ملامح الوجه. تُستخدم هذه التكنولوجيا بالفعل فى المطارات وفى الكثير من الخدمات لكن من المنتظر أن تنتشر بدرجة أكبر فى 2025.
إذا أراد شخص ما الحصول على خدمة تحتاج مرحلة سنية معينة مثل شراء بعض المنتجات واستخراج بعض الأوراق فكيف يتأكد من سن العميل التى يطلب الخدمة إذا كان العميل يطلبها من بيته؟ يمكن استخدام ملامح الوجه لكن هذا يحتاج إلى برمجيات ذكاء اصطناعى متقدمة حتى يمكنها التعرف على المرحلة السنية للشخص من ملامح وجهه حتى مع استخدام أدوات التجميل وما شابه. أيضا التوسع فى استخدام تكنولوجيا القياسات الحيوية يجب ألا يجعل طلب الخدمة أصعب أو يستغرق وقتا أطول، سهولة الاستخدام من أهم عوامل انتشار الكثير من الخدمات والمنتجات.
• • •
المثال الثالث متعلق بتعليم التكنولوجيا أو ما يمكن أن نطلق عليه الأكاديميات الرقمية أو (digital academies). كما هو واضح فإن التكنولوجيا تتقدم بخطى متسارعة والمهارة التى تمتلكها الآن قد لا تصبح بنفس ذات الأهمية غدا، و«غدا» هذا يأتى سريعا جدا فى عصرنا هذا، والاحتياج لمهارات جديدة يظهر كل عدة أشهر، فما الحل؟ الحل هو عمل أكاديميات داخل الشركات الكبيرة أو حتى مستقلة تقوم بتدريس تلك المهارات. نحن لا نتحدث عن جامعات، ولكن عن أماكن تعين على تعلم المهارات الجديدة التى تظهر بعد تخرج الشخص. هذه الأكاديميات من الممكن أن تكون أونلاين فقط، بل وبعض مهامها مثل وضع المسائل والتصحيح وإعادة الشرح بطرق مختلفة ستقوم به برمجيات مزودة بذكاء اصطناعى. هناك نماذج لتلك الأكاديميات الرقمية فى شركات مثل (DuPont) و(Gestamp) و(Deloitte). لاحظ أن تلك الشركات التى ذكرناها تعمل فى مجالات مثل الكيمياء والسيارات والاستشارات المالية ورغم ذلك تحتاج لمهارات جديدة للتعامل مع التكنولوجيا مما دفعها لإنشاء أكاديميات رقمية داخل الشركة نفسها تخدم موظفيها. من المنتظر أن يزيد الاحتياج لتلك الأكاديميات فى السنين القادمة مع تسارع عجلة التكنولوجيا.
• • •
الأمثلة الثلاثة التى تحدثنا عنها تهمس لنا بعدة نصائح:
• نحتاج مشروعات تجمع متخصصين فى الحاسبات والذكاء الاصطناعى والميكانيكا، بالإضافة إلى تخصصات مثل السياحة والفندقة إلخ. التخصصات التى نعتقد أنها تبعد عن بعضها بعد المشرقين قد يكون فى تلاقيها مشروعات غاية فى الأهمية.
• يجب أن تكون عندنا مؤسسات تتابع الجديد فى التكنولوجيا والمهارات التى تحتاجها والتى نستطيع الاستفادة منها فى مصر وتقوم بتدريس تلك المهارات. نحن لا نتحدث عن شهادات جامعية هنا.
• همسة فى أذن طلابنا: لا تجعل علمك المتعلق بأجهزة الكمبيوتر مجرد لغة برمجة تعرفها، لأن لغات الكمبيوتر تتبدل وتتغير والمهمات المطلوبة من المبرمج لم تعد كما كانت، لكن التفكير فى أفضل طريقة لحل المشكلة ثم فى أفضل طريقة لبرمجتها (بأية لغة برمجة) هى المهارة التى ستبقى. أى إننا نتكلم عن طرق التفكير المنطقى ومعرفة بكيفية عمل أجهزة الكمبيوتر وليس مجرد معرفة لغة برمجة.
دعنا نعيد الجملة التى أنهينا بها مقال الأسبوع الماضى:
لنأمل أن 2025 يشهد ظهورنا على مسرح التكنولوجيا كفاعلين وليس فقط كمستهلكين ومتفرجين.