هذا فيلم قديم يستحق أن نضعه ضمن قائمة الأفلام الأجمل والأروع فى السينما المصرية، وهو مثل أفلام كثيرة لم يكن النقاد يعرفون عنها شيئًا، حين تم إعداد قائمة أهم مائة فيلم فى السينما المصرية، وفى العامود الذى نكتبه هنا تحدثنا عن بعض هذه الأفلام وأعدنا اكتشافها، مثل فيلم «الإيمان»، و«لن أبكى أبدًا»، من المهم الوقوف عند هذا العمل باعتباره نموذج أفلام عديدة تم إنتاجها فى الخمسينيات لتعبر عن مكانة سيناء فى حياة الشعب المصرى، خاصة قبل العدوان الثلاثى أو بعده لمدة عشر سنوات، من هذه الأفلام ما أخرجه حسام الدين مصطفى باسم: «صراع فى الجبل»، و«رجال فى العاصفة»، ثم فيلم «للرجال فقط» إخراج محمود ذو الفقار.
أما «دعونى أعيش» فهو من إخراج أحمد ضياء الدين 1955، وبطولة مجموعة كبيرة من النجوم مثل محسن سرحان، وكمال الشناوى، وصلاح نظمى، وفاطمة رشدى، ثم ماجدة التى آمن بموهبتها هذا المخرج وقدمها فى كثير من أعماله، وهى الشخصية الرئيسة فى الفيلم فى دور فتاة صغيرة السن تعيش مع أختها فى مدينة السويس، وتتنافس الاثنتان على حب شاب يعيش معهما، وتتنازعان عليه، مما يدفع بالصغيرة أن تلجأ للعيش مع رجل آخر، يحلم بأن يجد البترول فى سيناء، فيأخذ نعمات معه على أنها أخته، ويطلبها للزواج بعد أن يتم اكتشاف البترول، ويطلق اسمها على البئر، لكن ما يلبث أن يتزاحم الرجال حول نعمات فيقوم رجب وفايقة (الأخت الكبرى) بتدبير خطة للتخلص من المهندس من أجل إجبار نعمات للعودة إلى السويس، كما يظهر حسام الشقيق الأصغر للمهندس عزت ويقع فى غرام نعمات، التى تعرف الحقيقة وتقرر الانتقام لموت المهندس.
أهمية هذا الفيلم ليس فقط فى دوران الصراع حول الفتاة، ولكن التعرف على تلك البيئة البكر، التى يتعامل معها المصريون على أنها مكان غريب، أو صحراء جرداء، فنحن لم نجد فى هذا الفيلم أو فى الأفلام الأخرى المذكورة أى من الشخصيات أبناء سيناء، سوى كأشباح، مع استثناء فيلم لم نذكره هو «سمراء سيناء» من هذه الظاهرة، وكانت الأحداث كلها عبارة عن صراعات بين أبناء الوادى الذين يذهبون للعيش فى سيناء، هذه النظرة تعكس مكانة شبه الجزيرة فى تلك السنوات، فهى إما مكان لاكتشاف النفط، أو هى صحراء جرداء يذهب المغامرون للعيش فيها والبحث عن الثروة، وقد اختار كاتب الفيلم أمين يوسف غراب أن يعيش المهندس عزت مع نعمات فى الصحراء دون أن تكون هناك علاقات قوية مع سكان المكان، وهذا يفسر ثقافة المصريين حول سيناء فى تلك الفترة، ومن المهم التوقف عند شخصية نعمات، تلك البريئة التى تقع وسط رباعى معقد يتمثل فى ثلاثة رجال يريدونها، منهم شقيقان، وامرأة تنافسها على حبيبها، تجسدها فاطمة رشدى فى آخر أفلامها، وقد تعقدت العلاقة، ولكن أمين يوسف غراب واحد من الذين يجيدون غزل تلك العلاقات بجودة، ما يدفعك إلى متابعة الأحداث حتى اللحظة الأخيرة، ولا يمكن أن ننسى أن المخرج هو من جعل ماجدة فى أحسن حالاتها هنا وفى أفلام أخرى متميزة مثل «أين عمرى»، و«مراهقات»، وغيرها من الأعمال التى تم اختيارها لتكون أفضل الأفلام.
سيناء لم تتغير فى الواقع، ولكن المتابع للسينما المصرية فسوف يكتشف أن المصريين قد غيروا رؤيتهم من فترة لأخرى، وقد صار المكان ساحة للحروب الدائرة بين مصر والكيان الصهيونى، غالبًا ما كانت تلك الصورة محصورة، وضيقة للغاية، أما بعد الانفتاح صار المكان حقلاً للسياحة والتصييف، وقد لا يكون مناسبًا للحياة الاجتماعية، ومن هنا جاءت أهمية هذا الفيلم.