فى أغلب أفلام السينما عن بنات الليل، هناك محاولات للتأكيد على أن الظروف الاجتماعية هى التى دفعت بعض البنات إلى طريق الانحراف، وأن هذه الفتاة تبحث عن الحب وعن الحياة الشريفة، وتنتهى بها الأمور غالبا بالتوبة بعد الوقوع فى غرام رجل يستحقها، أو يستحق التوبة من أجله، وهذه الأفلام كثيرة العدد تكشف أن الخطيئة لا تكمن فى المراة وأغلبهن جميلات، بل فى رغبة الرجل الجسدية لإشباع شهواته، فهو الذى يدفع ثمن هذا الإشباع من أمواله، كما أنه هوائى لا يهمه سوى نزواته، وفى ذاكرتى الآن نماذج لبعض النساء اللائى يعملن فى هذا العالم، هن يتراجعن أمام رجل بعينه فيوافقن على التوبة بحثا عن حياة اجتماعية فاضلة، من هذه الأفلام الحكاية الثالثة فى فيلم «ثلاث نساء»، حيث الفتاة ترفض أن يأتى حبيبها إلى السهرة الليلية كى يجالسها أسوة بالزبائن الذين يفعلون هذا فى كل ليلة، إنها تريد الجانب المثالى منه، لذا بعد أن يصر على أن تفعل ذلك فإنها تتركه إلى الأبد، لقد بحثت عن الحياة المثالية فلم تجدها لديه، تذكرت هذا المشهد وأنا أتابع الفيلم التجارى «سوزى بائعة الهوى» إخراج سيمون صالح عام 1975، وبطولة ناهد شريف، ونور الشريف، وصلاح السعدنى، كتبه سمير النوار الذى تحول إلى مخرج فيما بعد، هذا الفيلم موجود على اليوتيوب باسم أكثر حشمة هو «بائعة الحب»، ما يعنى أن الفضيلة قد انتقلت أيضا إلى عناوين الأفلام فى هذا القطاع المهم، كما أن فضيلة هو الاسم الحقيقى للفتاة سوزى بطلة الفيلم (جسدته ناهد شريف)، فهى بنت الليل التى جاءت إلى شقة أربعة من العزاب الشباب من أجل أن تمنحهم جسدها، وفى الشقة اختلف أصحابها حول الأسلوب والطريقة والمال، إلى أن أعجب بها واحد منهم يدعى سامى، وقضت عدة أيام فى غرفته دون أن يتلامسا، وحكت له أنها كانت فاضلة بالفعل قبل أن تتحول رغما عنها إلى بائعة هوى، ومن خلال هذه العلاقة عادت فضيلة إلى اسمها القديم، وعاشت حياة نقية، إلا أن الشاب قد اشتاهها بعد أيام قليلة وتحرش بها، ونال منها رغم المقاومة، وبعد أن انتهى من أمره معها عادت فضيلة إلى شخصيتها البديلة سوزى، وبكل شراسة طلبت مستحقاتها المادية عما منحته له وهى تردد مثل كل العاهرات «عايزة فلوسى»، وتأخذ منه النقود وسط دهشته، ثم تغادر المنزل غير آسفة بينما يخرج وراءها هاتفا باسمها عدة مرات دون جدوى.
أكتب هذا المقال ليس لأننا أمام فيلم جيد، ولكننى انجذبت إلى الصدق الواضح فى أداء الممثلة ناهد شريف وهى تنطق من أعماقها «عايزة فلوسى»، ثم إصرارها على إنهاء هذه العلاقة والعودة مرة أخرى إلى الشارع لتمارس الفحشاء مدفوعة الثمن، بعد أن جربت التوبة بشكل مؤقت، من المعروف أن السينما المصرية قد اكتشفت ناهد شريف فى أواخر الخمسينيات لتؤدى الأدوار الرومانسية جدا، لكن المخرج حسين حلمى المهندس وضعها فى إطار الفتاة التى تخطئ، فيما بعد صارت هى أبرز عاهرات الأفلام المصرية، وكانت هى الأكثر جراءة فى بعض الأفلام اللبنانية ومنها فيلم «ذئاب لا تأكل اللحم»، وبدت ناهد شريف كممثلة إغراء أولى، ونسى المتفرجون والنقاد الموهبة الحقيقية لتلك الممثلة التى عادت مرة أخرى فيما بعد إلى الأدوار الإنسانية فى أفلام عديدة منها «انتبهوا أيها السادة»، و«مرسى فوق مرسى تحت» قبل أن تصاب بمرض خطير أتى على حياتها، ترى هل يكفى للناقد أن يكتب عن أداء مشهد فى فيلم ما أو عن ممثلة أجادت التعبير بجملة واحدة، بالطبع لا، وربما بالطبع نعم، فكم قدمت السينما عاهرات أخريات رفضن الرجل الذى تخر منه النذالة والأنانية مثلما فعلت نادية لطفى فى دور ريرى فى فيلم «السمان والخريف»، وأيضا مثلما فعلت فى المشهد الأخير من فيلم «قاع المدينة» إخراج حسام الدين مصطفى، فهى عاهرة الليل التى كانت خادمة وأيضاً زوجة لرجل فقير ثم أغواها أحد القضاة، الذى وقف الآن أمامها فى الطريق فى أول ليلة لها مع البغاء، إنها تلوك العلكة وما إن تحققت من شخصية أول زبون حتى لفظت ما بفمها فى الأرض ورفضت الصعود إليه، هى مشاهد صغيرة فى السينما لا يمكن نسيانها، ويمكن التأكيد أن هذه المشاهد كشفت عن مواهب كبيرة.