الفارق بين تطور التكنولوجيا وتطور العلم - محمد زهران - بوابة الشروق
الجمعة 7 فبراير 2025 11:48 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

الفارق بين تطور التكنولوجيا وتطور العلم

نشر فى : الجمعة 7 فبراير 2025 - 7:25 م | آخر تحديث : الجمعة 7 فبراير 2025 - 8:15 م

 علم المستقبليات من أهم العلوم التى يجب أن نأخذها على محمل الجد، عندما نتحدث عن علم المستقبليات يجب أن نأخذ شيئين فى الاعتبار:

  • علم المستقبليات ليس رجما بالغيب، ولكنه دراسة تطور العلوم والتكنولوجيا فى ضوء المواقف الاقتصادية والسياسية للعالم.

  • تطور التكنولوجيا وتطور العلم شيئان مختلفان، قد يوجد بعض التشابه، ولكن الأصل أنهما مختلفان.

فى مقالنا اليوم سنناقش كيف تتطور التكنولوجيا وكيف يتطور العلم، وهذا بدوره يلقى الضوء على علم المستقبليات. أهمية هذا العلم أن تجعل المؤسسات المختلفة سواء حكومية أو غير حكومية وسواء هادفة للربح أم لا تستعد لما سيأتى. هذا الاستعداد يأخذ شكل الاستعداد عن طريق التدريب والاستعداد عن طريق التشريع والاستعداد عن طريق تغيير بعض الأقسام والإدارات. حتى على المستوى الشخصى علم المستقبليات يساعد المرء على تطوير نفسه حتى يكون مستعدا لما سيأتى.

إذا فعلم المستقبليات مهم على مستوى المؤسسات ومستوى الأفراد، وهذا العلم يعتمد على استشراف التكنولوجيا والعلم.

•  •  •

لنبدأ بالحديث عن التكنولوجيا لأنها الأقرب إلينا، التكنولوجيا هى التى نتعامل معها فى حياتنا سواء على هيئة منتج مثل أجهزة اللابتوب والتليفونات الذكية أو على هيئة خدمة مثل الإنترنت والكهرباء والاتصالات اللاسلكية إلخ. أما العلم فهو يقبع فى الأبحاث العلمية على هيئة أوراق بحثية سواء منشورة أو سرية كما يحدث فى بعض معامل الأبحاث التابعة للحكومات أو الشركات الكبرى.

الاكتشافات العلمية تجد طريقها إلى التكنولوجيا عبر طريق ملىء بالمطبات والمنعطفات وقد ناقشناها فى مقال بعنوان «من العلم إلى التكنولوجيا: الطريق غير المستقيم» بتاريخ 22 فبراير 2020، فلن نعيد ما قلناه هنا لكن نريد أن نقول إن هذا الطريق يتحكم فيه السياسة والاقتصاد.

السياسة تؤدى إلى تقوية العضلات العلمية لبعض الدول ولإضعافها فى دول أخرى، مثلاً اضطهاد هتلر لليهود أدى إلى هجرة عدد غير قليل من العلماء إلى أمريكا ومنهم من ساهم فى مشروع مانهاتن الذى أدى إلى وصول أمريكا لإنتاج القنبلة الذرية قبل ألمانيا مما مهد الطريق لانتقال أمريكا من مجرد دول قوية إلى أن أصبحت القطب الأوحد بعد تفكك الاتحاد السوفييتى. إذا السياسة فى دولة ما قد تقود إلى تقوية دولة أخرى. أيضا وجدود حكومة مركزية تتحكم فى كل مؤسسات الدولة قد يقود إلى تقدم علمى فى بعض الأحيان وليس فى كل الأحيان، فمثلاً الشركات الصينية التى تقوم بأبحاث متعلقة بالذكاء الاصطناعى مثل (Baidu) و(Tencent) و(Alibaba) تأتمر بأمر الحكومة المركزية وبالتالى هى تتكامل، بعكس الشركات الأمريكية الكبرى التى تتنافس فيما بينها فى سوق رأسمالية حرة.

الاقتصاد أيضا يتحكم فى ظهور تكنولوجيا معينة من رحم اكتشافات علمية، هذا يحتاج إلى رائد أعمال له نظرة متفحصة تساعده فى الإجابة عن السؤالين الآتيين:

  • هل الآن هو الوقت المناسب لظهور تلك التكنولوجيا وسيتقبلها الناس لأنها تحل مشكلة فى حياتهم؟

  • إذا لم تكن تلك التكنولوجيا تحل مشكلة، هل يمكن إقناع الناس بأنها مفيدة وسيحتاجونها؟ أفضل مثال على ذلك هو ظهور أجهزة التابلت. الناس كانت تمتلك تليفونات ذكية وتمتلك أجهزة لابتوب، فما الحاجة لجهاز آخر؟

حيث إن التكنولوجيا تظهر من رحم العلم، فلنتكلم قليلاً عن التطور العلمى.

•  •  •

سنة 1962 نشر مؤرخ وفيلسوف العلم توماس كوون (Thomas Kuhn) كتابه الكلاسيكى «بنية الثورات العلمية»، فى هذا الكتاب يشرح الكاتب أن العلم يتقدم ليس عن طريق الخطوات الصغيرة، ولكن عن طريق ثورة كالآتى:

  • يبدأ الموضوع بوجود نظام بعينه يعترف به العلماء فى فترة ما ويستخدمونه فى أبحاثهم.

  • تبدأ ظهور بعض الملاحظات التى لا يستطيع النظام الحالى شرحها.

  • عندما تكثر تلك الملاحظات يصل المجتمع العلمى إلى وضع الأزمة ويبدأ البحث عن نظام جديد.

  • يظهر بعد وقت نظام جديد يحل محل القديم (paradigm shift).

استخدمت كلمة «نظام» لتعريف كلمة «paradigm» وإن كانت ليست دقيقة لكنها أفضل لتوصيل المعلومة من وجهة نظرى التى تحتمل الصواب والخطأ. توماس كوون يرى أن العلم يتقدم عن طريق الثورات. من أمثلة تلك الثورات العلمية هو الانتقال من قوانين نيوتن للحركة إلى النسبية لأينشتاين، مثال آخر هو الانتقال من قوانين الوراثة لمندل إلى تركيب الـDNA لواطسون وكريك.

فيلسوف العلم كارل بوبر يرى خلاف ذلك، يرى أن العلم يتقدم عن طريق وضع فرضيات ثم محاولة إثباتها أو رفضها عن طريق التجارب أو الملاحظات.

إذا رأينا تاريخ ولادة التكنولوجيا من رحم العلم سنجد أن فى الغالب تبدأ التكنولوجيا بعلم ناقص يعطى الدفعة الأولى ثم تتطور التكنولوجيا مع تطور العلم. عندما اخترع ألكسندر جراهام بل (أو اليشا جراى الذى وصل لنفس الاختراع فى نفس الوقت) التليفون كان ذلك باستخدام النظرية العلمية المتعلقة بانتقال الأصوات. لكن لم يكن يعلم بعد النظريات التى ستظهر بعد ذلك عن أنواع المعادن وقابليتها لنقل الإشارات الكهربائية إلخ. 

إذا الطريق الذى يسلكه العلم ليتطور مختلف عن الطريق الذى تسلكه التكنولوجيا لتظهر من رحم العلم والذى يسلكه ليتطور.

•  •  •

تاريخ العلوم والتكنولوجيا يحتاج أيضا إلى العلوم الإنسانية مثل السياسة والاقتصاد وعلم الاجتماع وعلم النفس لفهم آليات التطور وتأثيرها على الأفراد والشعوب، وهذا من صميم علم المستقبليات.

من العلامات المضيئة هى أننا بدأنا نهتم بعلم المستقبليات فى مصر. كانت هناك إرهاصات عن ذلك فى مكتبة الإسكندرية منذ أكثر من عشر سنوات، والآن بدأت الجهود فى علم المستقبليات تظهر فى المركز القومى للدراسات الاجتماعية والجنائية وتم إصدار مجلة محكمة بعنوان «استشرافات» منذ عدة أشهر متخصصة فى الدراسات المستقبلية. أرجو من القارئة/القارئ الكريم مراجعة مقال كاتب هذه السطور بعنوان «علم المستقبل ومستقبل العلم» (4 أبريل 2021).

علم المستقبليات يجعلنا نستعد للمستقبل، والأفضل أن نشارك أيضا فى صنع المستقبل.

 

محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات