دائما ما أنتظر هذا الوقت من العام بفارغ الصبر، إنه وقت معرض القاهرة الدولى للكتاب الذى أفعل ما بوسعى حتى أتمكن من حضوره. السير بين الكتب له سحره بالنسبة لى على الأقل، ورؤية هذا العدد الكبير من الناس من مختلف الأعمار وهم يحملون حقائب كبيرة لشراء الكتب شىء يدعو إلى السعادة والتفاؤل أيضا. أذهب إلى المعرض ثلاث مرات عادة: مرة لشراء الكتب التى أريدها ويكون معى قائمة بها، المرة الثانية للسير بين الكتب علنى أجد كتبًا مهمة بالنسبة لى ولم تكن على قائمتى، والمرة الثالثة لمقابلة أصدقائى من الكتاب والناشرين والقراء. فى هذا المقال أحب أن أشارك القارئ الكريم بعض الأفكار التى أثارتها زياراتى للمعرض فى نفسى، بالإضافة إلى ندوة كان لى شرف المشاركة فيها أثناء المعرض عن الذكاء الاصطناعى وحقوق الملكية الفكرية.
• • •
عندما تتجول فى معرض الكتاب وبين تلال الكتب الجديدة والقديمة تلاحظ شيئين: المعرض مزدحم جدا ومتوسط الأعمار ليس كبيرا، طبعا ليس عندى أرقام عن عدد الكتب المباعة لكن من الحقائب الكبيرة التى يحملها الشباب أعتقد أن هناك عددا لا بأس به من الشباب اشترى عددا لا بأس به من الكتب، وهذا يطرح سؤالاً مهما: هل الشباب أو الجيل الجديد يفضل الكتاب الالكترونى؟ أم الكتاب الورقى؟ هناك عدة نقاط يجب أن نضعها فى الاعتبار:
• بالنسبة للجيل الأكبر سنا مثل كاتب هذه السطور فإنه يفضل الورقى لأن هذا ما نشأنا واعتدنا عليه.
• الجيل الأصغر سنا الذى نشأ على استخدام الأجهزة الالكترونية مثل التابلت أو التليفون الذكى منذ سن صغيرة جدا يفضل الكتب الإلكترونية. أعتقد أن هناك عدة أسباب لذلك: أولاً استخدام الأجهزة الالكترونية طبيعة ثانية لهذا الجيل، ثانيا الكتب الالكترونية خاصة تلك المتعلقة بمنصات الاشتراكات تجعل عند الشخص كتبا عديدة فى نفس الوقت على الجهاز، وكما تكلمنا فى الأسبوع الماضى فالجيل الجديد تركيزه قليل وبالتالى يفضل التنقل من كتاب إلى آخر حتى لا يشعر بالملل. هذا طبعا رأى شخصى ويجب استطلاع رأى الجيل الجديد.
• الكتب الإلكترونية أرخص من الكتب الورقية، لكن قراءة الكتب الإلكترونية يحتاج أجهزة مثل التابلت بالإضافة إلى القدرة على الشراء أونلاين، كما أن القراءة من على المنصات تشجع على تنزيل أو شراء كتب عديدة، بالتالى فالفارق فى السعر بين القراءة الورقية وتلك الإلكترونية ليس بالفارق الشاسع الذى نتصوره.
• ظهر منافس للكتب الورقية وتلك الالكترونية وهى الكتب المسموعة. ما زال هذا المنافس بعيدًا من حيث حجم البيع لكنه يخطو خطوات نحو الأمام. وجهة نظرى فى الكتب المسموعة أنها تصلح للروايات والقصص والشعر لكنها لا تصلح لكتاب علمى مثلاً أو تاريخى، لأنك وأنت تقرأ الكتب غير الروائية قد تحتاج أن تضع خطًا تحت بعض المعلومات المهمة أو تكتب ملاحظة بجانب قطعة تهمك وهذا ليس سهلاً فى الكتب المسموعة، ناهيك عن أن تجربة سماع الكتاب تعتمد على قراءة الشخص الذى تسمع صوته ومدى إجادته.
نستطيع أن نقول إن الكتاب الورقى لن يموت وسيظل يحتل الصدارة على الأقل لمدة جيل أو اثنين ثم سيلحق به الكتاب الإلكترونى والمسموع، لكنه سيظل موجودًا ولن يختفى، ومن يدرى فقد يظهر اختراع ما يجمع بين تلك الأشكال، خاصة عندما ينتشر استخدام الواقع المعزز ويصبح فى متناول الجميع.
• • •
أثناء المعرض كان لى شرف المشاركة فى ندوة عن الذكاء الاصطناعى وحقوق الملكية الفكرية، وأشارك القارئ الكريم بعض النقاط التى أثرتها:
• الذكاء الاصطناعى ظهر منذ 1956 ولم نفكر فى عمل تشريعات متعلقة باستخداماته إلا الآن، فلماذا؟ حتى عقدين من الزمان كانت أغلب برمجيات الذكاء الاصطناعى شبيهة بالبرمجيات العادية، مجرد أوامر يكتبها المبرمج لجهاز الكمبيوتر لتنفيذها. فإذا حدث خطأ فالمبرمج هو المسئول وعليه معالجة برنامجه وتصحيحه. أما الآن فنحن نتكلم عن فرع «تعليم الآلة» وهى نوعية برمجيات مختلفة، لأن البرنامج نفسه لا فائدة فيه قبل أن يتم «تعليمه»، وحتى بعد أن يتم تعليمه ليس من السهل تصحيح خطأ وليس من السهل معرفة من المسئول هل هو المبرمج أم من جمع البيانات المستخدمة فى التدريب أم شخص آخر؟ الموضوع مازال جديدا على العالم كله ويحتاج تشريعات حديثة.
• حاليا نحن فى ربيع الذكاء الاصطناعى حيث يكثر التمويل، ولكن هل تستطيع الشركات المنتجة لبرمجيات الذكاء الاصطناعى تحقيق أرباح؟ الموضوع معقد لأن الأجهزة المستخدمة فى تعليم الآلة واستخداماتها تستهلك كمية كبيرة من الطاقة بأموال طائلة. شركة (OpenAI) المنتجة لبرنامج (chatGPT) تحصل على تمويلات بالمليارات، هل ستتمكن من تحقيق أرباح ترضى الممولين؟ هل ستستطيع الشركات الأمريكية مواجهة الاعصار الصينى الذى بدأ بـ(DeepSeek)؟ هل ستنفجر فقاعة الذكاء الاصطناعى؟ كلها أسئلة سيكشف عن إجاباتها المستقبل القريب جدا.
• الذكاء الاصطناعى أصبح «موضة»، كل شركة أو مؤسسة تريد أن تظهر للعالم أنها تستخدم هذه التكنولوجيا فى عملها، وقد لا يحتاج عملها لاستخدام الذكاء الاصطناعى، بل قد تحصل الشركة أو المؤسسة على نفس النتائج بتكنولوجيا أرخص كثيرا. علينا إذا أن نتعلم متى نحتاج الذكاء الاصطناعى ومتى لا نحتاج له، وفى حال إذا ما احتجنا له فما هو نوع برمجيات الذكاء الاصطناعى الذى نحتاجه؟
• • •
بعد هذه الرحلة السريعة فى أرجاء معرض الكتاب والندوة نستطيع أن نحدد خطوات تساعدنا على المضى قدما:
• يجب علينا الإكثار من ورشات العمل والمحاضرات التى تشرح تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى لغير المتخصصين، فالإنسان عدو ما يجهل.
• متى ترى ندوات فى معرض الكتاب يتكلم فيها ويديرها شباب فى مقتبل العمر؟ أغلب الندوات يتكلم فيها من هو فى عمر كاتب هذه السطور أو فى الجيل السابق أو اللاحق، ماذا عن الجيل الأصغر؟ ماذا عن عمل مناظرات فى المعرض بين الجيل السابق والجيل الأصغر؟
الكتاب هو سلاح المستقبل فيجب الاهتمام به أكثر من ذلك سواء من القراء أو الكتاب أو الدول والمؤسسات.