«ويتفكرون فى خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك». صدق الله العظيم.. لا يسعنى إلا أن أردد تلك الآية الكريمة فى محاولة للخروج من تلك الدائرة التى تحكم طرفيها حول البشر لا يحول بينها وبيننا حائل ولا يوقف سعيها قوة أيا كانت. روعتنا تلك السنة ٢٠٢٠ بذلك الهجوم المباغت لكائن لا يرى بالعين المجردة أو الميكرسكوب العادى والذى استهدف الإنسان فى كل مكان على الأرض. مازلنا فى حالة ارتباك ذهنى بل وعلمى أيضا نحاول الخروج بعد ذلك من الفخ الذى نصبه الفيروس كشباك العنكبوت حول أرواحنا.. فإذا بالعلم يفاجئنا بحقيقة تكاد تعمى الأبصار وتشل التفكير..
الحياة على الأرض ليست ملكا لنا وحدنا بل هى شراكة بين الإنسان ومخلوقات أخرى لا تعد ولا تحصى خلقها سبحانه ليسعى كلٌّ فى منظومة يجب أن تتوازن لتمر الحياة فى صورتها الطبيعية البهية.
انقطعت هذا الأسبوع للتفكر فى أمر تلك العائلة الفيروسية التى وضع فرد منها لديه قدرة مذهلة على التحول العالم على شفا النهاية بينما تطوع فرد منها آخر للمساهمة فى إحياء طفل من مصير قاتم ينتظره!
الحدث بالفعل تمت وقائعه فى مصر: علاج أول حالة من حالات مرض ضمور العضلات الشوكى باستخدام تقنية العلاج الجينى والذى يعد أعلى العلاجات المستحدثة فى العالم. ينشأ المرض نتيجة طفرة جينية تحدث فعلا فى الخلايا العصبية فى الحبل الشوكى للإنسان الأمر الذى ينجم عنه ضعف فى العضلات ومنها عضلات التنفس مما يؤدى إلى فشل وظائف التنفس والاصابة بالاتهاب الرئوى العنيد الذى يقود إلى وفاة الوليد فى عامه الأول أو الثانى على الأكثر.
مرض بالغ القسوة والشراسة يستخرج للوليد شهادة وفاته على ذات الأوراق التى تسجل ولادته وبداية أيام حياته.
جاء العلم بحل باهظ التكلفة عبقرى: تصنيع موروث جينى مماثل تماما للجين الطبيعى المسئول عن افراز البروتين الذى يهيئ للخلايا العصبية أن تؤدى وظيفتها بصورة طبيعية تضمنه سلامة العضلات التى تعتمد عليها فى عملها. هذا الجين المصنع يحمله فيروس فى عملية بالغة التعقيد تتم فى العمل ليحقن بعدها عن طريق الوريد إلى دم الطفل ليدخل مباشرة نواة الخلايا ويرتبط بالحمض النووى فيها لتبدأ فى انتاج البروتين اللازم لتمام العملية الحيوية واستعادة وظائف العضلات التى كانت معرضة للاضمحلال والضمور والموات.
فكرة عبقرية مذهلة يشارك فى تنفيذها فيروس من تلك العائلة التى أرهبت العالم وتسلطت عليه لعام مضى ومازالت نهايتها محل شك إلا بأمل فى رحمة الله سبحانه وتعالى.
تحقق النجاح للفكرة العبقرية وللآن يتمتع بحياة طبيعية أول طفل نال تلك الفرصة المدهشة للخلاص من قدر بالغ القسوة وعمره يقارب السنوات الست.
حدث هذا فى العالم فمن حمل هذا الأمل إلى أطفال مصر؟
طبيبة وأم مصرية عالمة ذات همة ورسالة تعمل فى الوحدة الوحيدة الفريدة لأمراض العضلات بكلية الطب جامعة عين شمس الاستاذة الدكتورة ناجية فهمى.
كنت أتابع جهودها الدءوبة المستمرة المضنية للإعلان عن المرض الذى قد لا ينتبه إليه الكثيرون ومطالبتها المستمرة بأن يتبنى المجتمع المدنى تلك القضية التى ربما قد تعجز ميزانية الدولة عن استيعابها.
فكنت أسعد الناس بنجاح سعيها لاقتناص تلك الفرصة لعلاج طفل من مرضاها بعد أن تقدمت بعرض ثمانى حالات تنطبق عليها شروط شركة الدواء العملاقة التى قدمت الدواء مجانا وضمنت وصوله بصورة سليمة فى ثلاجة تسجل ثمانين درجة تحت الصفر «ذات الثلاجات اللازمة لتطعيمات فايزر الأشهر».
تحت إشراف ناجية فهمى وفريق من الأطباء والفنيين المدربين ثم حقن ريان بالعلاج الذى تتكلف جرعته ٢٫١٢٥ مليون من الدولارات الأمريكية. هم أيضا الذين سيتولون متابعة حالته وتقييمها كل ثلاثة أشهر إلى جانب برنامج للتأهيل والعلاج الطبيعى.
ما حدث بالفعل يعد معجزة: عبقرية العلاج وإصرار الطبيبة المصرية العظيمة على ايجاد فرصة ولو لمريض واحد من مرضاها وعملها المضنى فى وحدة فريدة من نوعية خدماتها لمدة خمسة وعشرين عاما متصلة تجعلنا بلاشك نزداد إيمانا بأن هذا الوطن مازال قادرا على إعلاء الهمة ورفع الرأس فى عالم شرس ومقدرات صعبة.
لن تنقضى سعادتى بسلامة «ريان» وأبدا لن يتوقف شعورى بالفخر لزمالتى لطبيبة من ذوات الهمة وأصحاب الرسالات كناجية فهمى. لكننى بلاشك لن أتوقف عن السؤال الملح: من سيتولى علاج مرضى الأقدار المعلقة من أطفال بلدى والعالم وشركة الأدوية العملاقة تطلب الملايين مقابل علاجاتها؟
من يجرؤ على الحلم بتأميم مهنة وصناعة الطب لصالح الإنسان فى العالم.
أظنه إنسانا تدبر معنى الآية وفهم ما يجب أن تكون عليه الحياة على الأرض من صورة بهية من التعاون بين كائنات الله سبحانه للتعايش فى سلام.
أيكون هو أحدكم؟