التقى وزراء خارجية إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية ومصر والإمارات العربية والمغرب والبحرين يومى 27 و28 مارس 2022 فى النقب فى إسرائيل. واقتصر اليوم الأول على عشاء عمل وألغى الحفل الفنى بسبب الاعتداء الذى تعرض له إسرائيليون فى الخضير داخل إسرائيل. يلاحظ أن الإسرائيليين أطلقوا على هذا اللقاء السداسى «قمة النقب» مع أنه على مستوى وزراء الخارجية وليس رؤساء الدول والحكومات. وقد غاب عن اللقاء وزير خارجية الأردن، رغم أهمية مشاركته، وقيل إنه اقترح أن ينضم إلى هذا اللقاء معه وزير خارجية السلطة الفلسطينية رياض المالكى، ولم يرحب رئيس وزراء إسرائيل بذلك كما التزم وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن الصمت. وعوضا عن ذلك جرى ترتيب عقد قمة أردنية فلسطينية فى رام الله.
وقد وصل وزير الخارجية الأمريكى إلى إسرائيل يوم السبت 26 مارس 2022، وعقد فى اليوم التالى عدة اجتماعات مع رئيس وزراء إسرائيل نفتالى بينت ووزير الخارجية يائير ليبيد ووزير الدفاع بينى جانتس ورئيس الدولة إسحق هرتسوج، وتناولت هذه اللقاءات عدة ملفات منها طمأنة إسرائيل أن عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووى مع إيران لن تؤثر على عزمها الأكيد على الحيلولة دون حصول إيران على أسلحة نووية، والأخذ بعين الاعتبار مخاوف إسرائيل من برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية، ومن رفع الحرس الثورى الإيرانى من قائمة المنظمات الإرهابية، ويلاحظ أن ذلك دون وجود التزام محدد من قبل الوزير الأمريكى بشأن الموضوعين الأخيرين. كما بحث موقف إسرائيل تجاه الحرب الأوكرانية وحثها على إبداء مزيد من التأييد لموقف دول الناتو والابتعاد عن حرصها على عدم إغضاب روسيا بسبب التنسيق الإسرائيلى معها فى هجماتها على سوريا. هذا إلى جانب ملف الأمن والسلام مع الفلسطينيين وحث إسرائيل على عدم التوسع فى بناء المستوطنات، أو اتخاذ إجراءات أحادية تصعيدية ولكن دون إبداء ما يلزمها بذلك أو بالسير العملى تجاه حل الدولتين الذى كرره بلينكن فى أحاديثه وتصريحاته.
قام وزير الخارجية الأمريكى فى نفس اليوم بزيارة إلى رام الله حيث التقى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بحضور بعض الوزراء وكبار المسئولين الفلسطينيين، وقد ذكر الرئيس عباس بلينكن بأن الأولوية للحل السياسى وإنهاء الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية، وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود يونيو 1967، وحل قضايا الوضع الدائم بما فيها قضية اللاجئين الفلسطينيين، وإطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين فى إسرائيل، وأن يتم ذلك كله تحت إشراف الرباعية الدولية (الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبى، والولايات المتحدة، وروسيا) وفق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وإعادة فتح القنصلية الأمريكية فى القدس، وإعادة فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية فى واشنطن، واستئناف الدعم الأمريكى للسلطة الفلسطينية، ووقف الاستيطان وعنف المستوطنين، والحفاظ على الوضع التاريخى للأقصى، ومنع الإجراءات الأحادية، وإلغاء القوانين الأمريكية التى تعتبر منظمة التحرير الفلسطينية إرهابية تحرض على الإرهاب.
وأوضح بلينكن أن واشنطن معنية بتحسين حياة الفلسطينيين بشكل ملموس، والدفع باتجاه التسوية السلمية الدائمة على أساس حل الدولتين، وعدم توسيع المستوطنات، ومواجهة عنف المستوطنين، وتشجيع أعضاء الحكومة الإسرائيلية على الاجتماع مع الفلسطينيين. ويلاحظ أنه أعطى اهتماما خاصا للأمن وأعرب عن أمله فى تجنب التصعيد بمناسبة شهر رمضان وأعياد الفصح لدى المسيحيين واليهود، وأشار إلى أن حكومته قدمت نصف مليار دولار أمريكى من المساعدات الإنسانية للفلسطينيين خلال عام 2021، ودعم آخر للقطاع الخاص والأعمال الصغيرة فى الضفة الغربية وغزة، وأن الدعم ليس اقتصاديا فقط، بل والاهتمام بالحقوق المدنية للفلسطينيين وحقوق الإنسان، ودعم المجتمع المدنى، وأن أفضل حل هو حل الدولتين، لكن الإسرائيليين والفلسطينيين مختلفان بصورة كبيرة فى مواقفهما حاليا، وستستمر واشنطن فى العمل خطوة بخطوة لتقريب وجهات النظر بينهما، وأشار إلى نية حكومته العودة إلى الأونروا.
اتسم كلام بلينكن بالعمومية وتجنب معظم النقاط التى أثارها الرئيس عباس ولم يحدد التزامات معينة بشأن معظمها، وهو ما جعل بعض المسئولين الفلسطينيين يعلقون على زيارة بلينكن رام الله بأنه جاء ليبيع لهم الوهم.
وتجنب الإسرائيليون أى إشارة لحل الدولتين، أو المستوطنات، أو الأسرى الفلسطينيين، وحاول رئيس الوزراء بينت الرد غير المباشر على ما نقله إليه بلينكن، بقوله إن إسرائيل تعمل على تحسين حياة الفلسطينيين، وأصدرت قرارا بزيادة تصاريح العمل للفلسطينيين من 12 ألف تصريح إلى 20 ألف تصريح لزيادة فرص العمل فى إسرائيل للعمال فى غزة ورصدت 38 مليون شيكل لتحسين المعابر بين إسرائيل وغزة وتسهيل عملها. وقد استقبلت إسرائيل وزير الخارجية الأمريكى بالإعلان عن بناء مستوطنات إسرائيلية جديدة على الأراضى الفلسطينية.
• • •
أما بالنسبة للقاء السداسى لوزراء الخارجية فى النقب فقد تناول عدة ملفات منها الملف النووى الإيرانى، وبرنامج إيران للصواريخ البالستية، ومطلب إيران برفع الحرس الثورى الإيرانى من قائمة المنظمات الإرهابية، وتأكيد التزام واشنطن بعدم حصول إيران على أسلحة نووية لطمأنة الدول العربية وإسرائيل. وتأكيد أن اهتمام الولايات المتحدة بمناطق أخرى لا يعنى أنها ستترك منطقة الشرق الأوسط، بل هى باقية فيها. وبحثوا تبعات الحرب الأوكرانية على الأوضاع الاقتصادية العالمية وعلى دول الشرق الأوسط خاصة فى مجال الطاقة والارتفاع الكبير فى أسعارها، والمواد الغذائية وبصفة أساسية القمح والذرة وزيوت الطعام باعتبار أن روسيا وأوكرانيا من أكبر المصدرين لها. وسعى الوزير الأمريكى إلى إقناع الوزراء المشاركين بدعم أوكرانيا ودول الناتو فى مواجهة روسيا، وما يكتنف هذا المطلب من تعقيدات ترجع إلى علاقات الدول العربية مع كل من روسيا وأوكرانيا من ناحية وإلى ما شهدته السياسة الأمريكية فى العقد الأخير من تراجع كبير عن الإسهام الإيجابى فى تسوية المنازعات فى المنطقة خاصة فى الدول العربية، بل كان الدور الأمريكى جزءا من هذه الأزمات، وتراجعت بشكل ملحوظ فيما يتصل بالعمل على إنجاز حل الدولتين بالنسبة للقضية الفلسطينية، ولم يخرج عن نطاق الكلام، كما لم تتصد بحزم لحماية دول الخليج العربية من الاعتداءات التى تعرضت لها.
حرص وزراء الخارجية على توجيه رسالة بأن تطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل ليست على حساب القضية الفلسطينية. وطرحوا أفكارا حول التعاون بين الدول المشاركة فى اللقاء فى النقب فى مجال الأمن لمواجهة إيران، وهو ما وصفه وزير خارجية إسرائيل بأنه «هندسة أمن إقليمى» لبلورة حلول رادعة فى مواجهة ايران، ودعا شعوب المنطقة، بمن فيهم الفلسطينيون، بالتعاون على أساس نبذ الإرهاب والمساهمة فى البناء. ودعم بلينكن الزيارات المتبادلة والاتصالات بين الدول المشاركة فى اللقاء لنقل العلاقات إلى الأفضل، وأن اتفاقات إبراهام ليست بديلا عن المحادثات بين إسرائيل والفلسطينيين الذين يجب أن يكونوا شركاء فيها وفى كل تقدم نحو السلام الإقليمى.
أشار وزير خارجية البحرين خلال المؤتمر الصحفى المشترك إلى توسيع العلاقات مع إسرائيل وأن ثمة إمكانية لتعميقها، وأن هجمات الحوثيين، وتهديدات حزب الله، والملف النووى الايرانى، موضوعات دعت إلى عقد هذا اللقاء، وأكد على أهمية التوصل إلى عملية سلام تؤدى إلى إقامة دولة فلسطينية. وأكد وزير خارجية مصر سامح شكرى أنه يتحتم على الدول العربية والإسلامية الوقوف فى مواجهة الإرهاب، ومعالجة السردية الدينية المشوهة، وأن ثمة تطورات إيجابية فى تطبيع العلاقات مع إسرائيل وأهمية العمل على حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية وأن هذا يوفر الأمن لإسرائيل، ودعا إلى التوقف عن الإجراءات الأحادية ومنها توسيع المستوطنات الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة.
حرص الملك عبدالله الثانى ملك الأردن على عقد لقاء قمة فى رام الله مع محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية لأول مرة منذ نحو خمس سنوات عوضا عن عدم مشاركتهما فى لقاء النقب فى إسرائيل. وكان وزير الدفاع الإسرائيلى بينى جانتس أبدى رغبة فى المشاركة فى قمة رام الله، إلا أن رئيس وزراء إسرائيل رفض مشاركته وقيل إن ذلك خوفا من أن تغطى قمة رام الله على لقاء النقب، أو أن تصدر عن جانتس تصريحات سياسية بشأن الفلسطينيين تضع قضيتهم أمام الرأى العام وهو ما لا يريده بينت، كما قيل إن بينت لم يحط مسبقا بمشاركة جانتس وهو ما اعتبره تجاوزا لا يقبله خاصة وأن العلاقات بينهما متوترة. وحرصا على عدم إغضاب الأردن قام إسحق هيرتسوج رئيس إسرائيل بزيارة عمان وعقد لقاء مع الملك عبدالله الثانى وركز الملك على ضرورة إنجاز حل الدولتين وتجنب التصعيد، بينما ركز هيرتسوج على تجنب الأعمال الإرهابية التى تؤدى إلى قتل الإسرائيليين، وتجدر الإشارة إلى أن منصب رئيس الدولة فى إسرائيل مراسمى والحل والربط بيد رئيس الوزراء.
• • •
يمكن القول إن كل هذا التحرك على عدة مستويات، سواء سداسية وزراء الخارجية فى النقب، أو تنقل وزير الخارجية الأمريكى ما بين إسرائيل ورام الله ثم المغرب هدفها إبراء ذمة الولايات المتحدة أمام حلفائها وأصدقائها فى الشرق الأوسط، وطمأنة إسرائيل إزاء مخاوفها المزعومة تجاه إيران وإظهار الدعم الأمريكى لتطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل، وإظهار كأن ثمة تجمع فى مواجهة إيران. ولكن الحقيقة أن لقاء النقب كان مظاهرة سياسية أحيطت بمبالغات إعلامية إسرائيلية أكبر مما يجب بكثير. وتصريح وزير خارجية مصر سامح شكرى عقب لقاء النقب بساعات بأن مصر لا تنضم لأحلاف ضد أحد، وضع الحدث فى حجمه الحقيقى.