قضيت أربع ساعات فى نقابة الصحفيين يوم الأربعاء الماضى لحضور الاجتماع المشترك بين مجلس النقابة ورؤساء التحرير وكبار الكتاب وشيوخ المهنة، لبحث كيفية مواجهة اقتحام قوات الأمن للنقابة مساء الأحد الماضى.
ما لا تراه أجهزة الدولة خصوصا وزارة الداخلية هو حجم الغضب الذى يعتمل فى الصدور. ليس فقط صدور المعارضين أو الإخوان أو الاشتراكيين الثوريين كما تعتقد الحكومة ولكن صدور غالبية الصحفيين.
هناك أزمة كبيرة وحقيقية وتتجاوز قضية الاقتحام وإذا لم تكن الحكومة تدرى بذلك فهناك مشكلة أكبر.
على هامش هذا اليوم سجلت العديد من الملاحظات، أولها أن الأمن أخطأ خطئا كبيرا حينما حاصر النقابة ومنع الدخول والخروج لها فى هذا اليوم والأيام التى سبقته، لفترات طويلة ثم لم يسمح بالدخول إلا لحاملى الكارنيهات، ووقف البعض طويلا فى الطابور الضيق، كان يمكنه التنظيم بما يسهل الأمور ولا يوغر صدور الصحفيين خصوصا صغار السن ضد الشرطة.
الملاحظة الثانية: أن حكاية المواطنين الشرفاء، زادت على حدها، وينبغى أن تفكر الأجهزة فى عواقب هذه الظاهرة.
ثالثا: وخلال الاجتماع مع رؤساء التحرير وكبار الكتاب كانت الاقتراحات تتراوح بين أقصى التشدد إلى بعض المطالب الواقعية والعملية، لكن هدف الجميع كان واحدا وهو الحفاظ على نقابة قوية موحدة. تحدث ياسر رزق بالمنطق والعقل والمعلومات، وتحدثت أمينة شفيق بخبرة السنين الطويلة، مؤكدة على ضرورة عدم تسيس المشكلة، فالنقابة ليست فى صدام مع الدولة أو مع الرئيس أو الحكومة، بل هى فى معركة نقابية مهنية تتعلق بواقعة محددة.
بعض الزملاء كان شديد الانفعال وطالب بالتصويت فورا على احتجاب الصحف بدءا من الخميس، والبعض الآخر كان شديد الواقعية وطالب بعدم الدخول فى صدام مع رئيس الجمهورية، والبعض الثالث طالب بشن معركة رأى عام مضادة لأن الشرطة تحاول الوقيعة بين الصحافة والمواطنين وتصويرهم باعتبارهم يريدون التميز عن المجتمع.
المطالب الـ١٨ التى أقرها اجتماع الأعضاء بالجميعة العمومية عكست الإحساس بالخطر الذى استشعره الصحفيون، وحجم المهانة الكبير الذى تعرضوا له باقتحام نقابتهم مساء الأحد الماضى، وتقديرى أن عقلانية يحيى قلاش تجسدت فى إخراج اليوم بسلام وعدم حدوث صدامات بين المتطرفين والواقعيين، أو حتى مع الذين يرون أن أداء مجلس النقابة لم يكن على المستوى المطلوب فى إدارة الأزمة، سواء من يرى أنه ما كان ينبغى إدخال الزميلين عمرو بدر ومحمود السقا إلى داخل النقابة وهما مطلوبان للضبط والإحضار، أو من يرى أن النقابة كان يفترض أن تدخل فى صدام أشد مع وزارة الداخلية، وتقديرى أن المطالب والقرارات والتوصيات كان جزء منها محاولة تفريغ شحنة الغضب من نفوس غالبية الصحفيين.
قبيل الاجتماع توقع كثيرون أن تتحرك أجهزة الدولة المختلفة لاحتواء الأزمة، قبل أن تتفاقم، لكن ذلك لم يحدث للأسف الشديد، حدث ما حدث وانعقد الاجتماع، وبدلا من الحديث عن مجرد اعتذار من وزارة الداخلية للاقتحام، صار هناك ١٨ مطلبا للصحفيين، تبدأ من إقالة وزير الداخلية وتنتهى بمحاولة تحدى قرار النائب العام بحظر النشر فى قضية الزميلين عمرو بدر ومحمود السقا.
مرة أخرى، السؤال الآن يوجه إلى وزارة الداخلية، وأجهزة الدولة المختلفة، ما الذى ربحتموه وما الذى خسرتموه من جراء هذه الأزمة، وإلى متى سوف نستمر فى هذه المعارك المجانية الخاسرة؟!