هل نحن على أعتاب نظام دولي جديد بعدم انحياز جديد؟ - رؤوف سعد - بوابة الشروق
السبت 28 سبتمبر 2024 4:29 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل نحن على أعتاب نظام دولي جديد بعدم انحياز جديد؟

نشر فى : الجمعة 5 مايو 2023 - 8:35 م | آخر تحديث : الجمعة 5 مايو 2023 - 8:35 م
أكد الصراع الدائر فى أوكرانيا ما أجمع عليه الخبراء والمراقبون قبل بدء الصراع وبعده، أن النظام الدولى على أعتاب تشكيل جديد متعدد الأقطاب، إلا أن أحدا لم يتوقع حدوث هذا الصراع بهذا العنف والاتساع بين الغرب وروسيا وتوطين للحرب الباردة التى ساد الاعتقاد منذ تفكك الاتحاد السوفيتى أنها ذهبت بلا رجعة، كما لم يتوقع أحد أن تمتد ردود الفعل الانتقامية من جانب روسيا إلى عرش الدولار لاحتواء هيمنته على الاقتصاد العالمى.
كان من جراء استمرار الصراع واتساعه تأكيد أن هناك ثلاث أجندات رئيسية، تسعى إلى إعادة تشكيل النظام الدولى، وفرت لهم أوكرانيا موقعا مناسبا لإدارتها:
الأولى أمريكية الصنع بهدف تثبيت موقعها منفردة ومهيمنة على قمة النظام الدولى، من خلال استراتيجية احتواء التحدى الصينى المتعاظم اقتصاديا وعسكريا وتكنولوجيا وفضائيا، وامتداد النفوذ الصينى إلى كل أرجاء العالم، دون أن يتذكر أحد أن هذه الاستراتيجية أطلقها الرئيس أوباما باسم Asian ــ Pivot، أى السهم إلى آسيا، أى أن الصين، هى التحدى الاستراتيجى الأساسى للولايات المتحدة، وهى الاستراتيجية التى واصلها ترامب الجمهورى وبايدن الديمقراطى دون إبطاء.
أما الأجندة الثانية فهى روسية الصنع وهدفها الرئيسى إجهاض وصول حلف الناتو إلى حدودها الذى لا يؤثر وجوده بالقوات الأمريكية فقط على أمنها الوطنى، بل يعنى إذلالا سياسيا يعمق من جراح تفكيك الاتحاد السوفيتى فى عام 1991، فضلا عن السعى الروسى الحميم إلى تثبيت أسس نظام دولى متعدد الأقطاب يبقى على مذاق روسى قديم للقوى العظمى.
أما الأجندة الثالثة فهى الصينية التى تدار بمهارة يحتار ويختلف السياسيون والخبراء سواء فى الجنوب العالمى أو الشمال الصناعى، فى فهم كامل لدوافعها وأهدافها، باستثناء الاتفاق على أن الصين استطاعت خلال عقدين من الزمان القفز من قاع الفقر والتخلف والقيود الصارمة للاقتصاد الاشتراكى إلى نظام متفرد لاقتصاد سوق يحكمه الحزب الشيوعى، بموجبه حققت معدلات نمو لم تصل إليها دولة من قبل، وتحقيق احتياطى أجنبى يزيد على ثلاثة تريليونات من الدولار يتجاوز أقصى أحلام أكثر الدول تقدما، وتقدم خارج التوقعات فى الصناعة والتجارة والتكنولوجيا والفضاء، ناهينا عن قوة عسكرية نووية ضاربة، واختراق استثمارى وبشرى مذهل للاقتصاد والمؤسسات الأمريكية، فضلا عن مشروع الحزام والطريق الذى يكاد يطوق العالم بإمكانيات وغايات تقترب من الأحلام أو الأفلام، وهى تركيبات عكس الصراع الدائر فى أوكرانيا الكثير منها.
• • •
هذا وبينما يتابع العالم ويترقب نتائج الصراع فى أوكرانيا من انعكاساته على مجريات وتشكيل النظام الدولى، يطفو على السطح جهد خافت جديد من نوعه من خلال نشوء مجموعة من 25 دولة تسمى نفسها «الدول الفاعلة انتقاليا» The Transactional 25 (T25)»، وتضم أكبر اقتصاديات فى العالم والتى اختارت، دون اتفاق مسبق، أن تنأى بنفسها عن الصراع فى أوكرانيا أو لا تنحاز إلى طرف فى المواجهة الصينية الأمريكية، وتمثل 45% من سكان العالم و18% من الدخل القومى العالمى ورغم الاختلافات الكبيرة بين أنظمتها السياسية والاقتصادية وثرواتهم، إلا أن عدم الانحياز الجديد ومصالحهم الوطنية كانت هى الأرضية المشتركة التى تجمعهم، ومسمى عدم الانحياز، لا صلة له بحركة عدم الانحياز القديمة والتى وصفها أكاديمى هندى بأنها «منظمة تحتضر وتحتاج إلى دفن لائق».
كأن من شأن ولادة هذه المجموعة إثارة تساؤلات بشأن قدرتها مجتمعة، بحكم ما تملكه من قوة اقتصادية متصاعدة وتنوع جيوسياسى وثقافى، أن تساهم فى إعادة تشكيل النظام الدولى، ويثور بشأنها الملاحظات الرئيسية التالية:
أولا: أن الأرضية المشتركة فيما بين دول المجموعة تحققت بتلاقى مواقف غير متفق عليها مسبقا، وإنما حكمتها حسابات المصالح الوطنية والتوازنات الدولية والتى تصادف توافق دولها عليها، فأعطاها صورة شكل تنظيمى نظرى رغم أنها لا تشترك فى ترتيب مؤسسى جامع.
ثانيا: أن الاختلافات بين دول المجموعة شاسعة سياسيا واقتصاديا وثقافيا وجيوسياسيا مما يجعل من هذا التجمع غير المؤسسى عرضة للانقسام والاختلاف فى قضايا دولية أخرى، فضلا عن أن علاقات معظم أو كل هذه الدول بالقوى الدولية الرئيسية عميقة وممتدة، واشتراكها فى موقف محايد فى أوكرانيا لا يعنى افتراض نسق مشترك لمواقف هذه المجموعة مع هذه القوى.
ثالثا: رغم ذلك إذا استطاعت المجموعة أن تفرض نفسها كجزء من المعادلة الدولية فلابد أن تسعى القوى الدولية إلى اجتذابها إلى جانبها دعما لمواقفها، والأهم للحفاظ على مصالحها الاقتصادية والتجارية الضخمة التى تربطها مع عدد مؤثر من دول مجموعة 25T، مما سيزيد تلقائيا من أهمية وقوة المجموعة وتأثيرها الدولى.
رابعا: أخيرا وليس آخرا هل باستطاعة هذه المجموعة التلقائية الجديدة أن تساهم فى إعادة تشكيل النظام الدولى؟ التساؤل صعب والإجابة أصعب، ولكن ما فى الاستطاعة هو طرح الملاحظات التالية:
1ــ إن إعادة تشكيل النظام الدولى ليست مهمة يتم التخطيط لها وتنفيذها بقرارات، وإنما يحكمها تفاعل توازنات دولية بما فى ذلك حروب ونزاعات، ويكفى أن نتذكر أن الحربين العالميتين الأولى والثانية أفرزتا فى نهاية كل منهما نظاما دوليا جديدا من خلال عصبة الأمم المتحدة ومنظومة الأمم المتحدة على التولى، ثم كان انهيار الاتحاد السوفيتى إيذانا بتشكيل ثالث للنظام الدولى بالقطب الأمريكى منفردا، بينما ما يجرى فى أوكرانيا صراع تسعى من خلاله كل من روسيا وأمريكا لإعادة تشكيل النظام الدولى، بينما تنتظر الصين النتيجة ساعية وواثقة من إنها ستكون ضمن نظام دولى متعدد الأقطاب.
2ــ إن تصور إمكانية تأثير هذه المجموعة فى النظام الدولى يعنى توحد مواقف دولها لتغيير أو تصحيح مساراته بما قد يتعارض مع عمالقته بما يملكون من قدرات سياسية واقتصادية وعسكرية هائلة، كما لا يتوافق مع قصد دول المجموعة ذاتها حفاظا على مصالحها السياسية والاقتصادية والتجارية واحتياجاتها التكنولوجية والعملية والبحثية والعسكرية من هذه القوى.
3ــ إن تعبير «عدم الانحياز» لم يكن اختيارا أيديولوجيا يستدعى حركة عدم الانحياز من الماضى، وإنما مسمى خلقه الصراع فى أوكرانيا بسبب الحاجة إلى قوة محايدة، لعلها تساهم فى خلق توازن جديد للنظام الدولى، دون مشاركة القوى الدولية الكبرى.
• • •
الخلاصة فى تقديرنا، أن تأثير المجموعة فى إعادة تشكيل النظام الدولى بشكل مباشر يدخل فى نطاق الآمال، إلا أن ظهور المجموعة بتوجهات الحياد من النزاع، يكتسب اتساعا دوليا مضطردا خاصة وأن دول المجموعة هى جزء من 127 دولة أبرز تصويتهم فى الأمم المتحدة التزامهم بالحياد بين أطراف الصراع فى أوكرانيا، ومن ثم قد تتحول هذه التفاعلات إلى إرهاصات تمهد ولو إلى بداية لتصحيح مجريات النظام الدولى.
رؤوف سعد سفير مصر الأسبق في موسكو
التعليقات