فى ظل الحديث عن انحسار الصحافة الورقية فى العالم والتأثير الهائل للشبكة العنكبوتية على عقل الإنسان فى هذا العصر مازلت على عهدى: أفضل دائما صحبة المجلات والجرائد والكتب، ألمس الصفحات وأقلبها بشغف، أعتنى بها وأسجل على هوامشها ملاحظاتى وأفكارى، أعود إليها من وقت لآخر، أبحث عن نفسى أراجعها وأحاورها، أتفق معها حينا وأنقدها أحيانا أخرى.
أحرص دائما على زيارة مكتبات البلاد التى أزورها حرصى على التعرف على ملامحها وثقافة أهلها فما بالك بمدينة قضيت فيها عمرا وعملت بها وتوطدت فيها صداقاتى وتعددت تجاربى.
مونتريال العاصمة الثقافية لكندا فى إقليم كيبيك.. كان نهارا استثنائيا ــ بعد أيام كثيرة مطيرة ــ سطعت فيه الشمس أغرانى بالسير إلى مكتبة (انديجو) الشهيرة على قدمى لأقضى نهارى كاملا فى تصفح المجلات ومراجعة عناوين الكتب وممارسة هوايتى فى اقتنائها.
عدد من المجلات صعب إحصاؤه فى شتى الموضوعات والمجالات العامة والمتخصصة: السياسة والفن والرحلات والطبخ والاقتصاد، مجلات للشباب والأطفال وأخرى لكبار السن، مجلات للمرأة وأخرى للرجل.. عالم من المعرفة والترفيه يغطى جميع احتياجات الإنسان للثقافة والعلم، يحاوره ويعلمه ويستنفر طاقاته الذهنية ويشغل وقته بكل ما هو مفيد ومُجْدٍ وطريف.
ما أود حقا الإشارة إليه هو عدد المجلات والدوريات التى تهتم بصحة الإنسان الجسدية والنفسية.
جلست فى مقعد وثير من تلك المقاعد التى توفرها المكتبة لمن يرغب ويطول به المقام فيها مع فنجان من القهوة تحية من المكان لزائريه. ست عشرة مجلة مختلفة القطع والظهر باللغة الإنجليزية والفرنسية أحصيتها كلها تتحدث عن صة الإنسان وطرق الوقاية من الأمراض. موضوعات شتى مصورة كتبت بوسائل مختلفة سهلة سلسة عن الطعام الصحى ووصفات مختلفة لطهو الأطعمة بغرض المتعة أو علاج الأمراض ودعم المناعة. موضوعات تستوقف أى إنسان يحب الحياة ويتمنى لو عاشها سليما معافى.
ست عشرة مجلة لا تشبه إحداها الأخرى وإن كان الموضوع الرئيسى فيها هو صحة الإنسان. إذا ما خطر ببالك أن تعرف الناشر فستفاجأ بأن هناك دور نشر عادية لكن أهم الناشرين هم المراكز العلمية والجامعات وكليات الطب فيها.
هارفارد، مايو كلينيك، جامعة كالتك، جامعة كيبيك وغيرها تتولى تحرير ونشر تلك المجلات التى يحرص الجميع هنا على شرائها والاحتفاظ بها لمراجعتها من آن لآخر كمراجع سهلة التناول فى صياغة علمية بسيطة دون تسطيح.
وأدهشنى كثيرا أن أرى عددا خاصا أصدره المستشفى العالمى الأمريكى «مايو كلينيك» عن المارجوانا.. استعمالاتها الطبية لعلاج الألم والقلق ومتاعب النوم.
الصحافة الطبية والكتابة العلمية أحد فروع المعرفة التى لا تجد فى بلادنا اهتماما تستحقه. إذا كتب الإعلام فإما للترويج للأدوية أو الأطباء أو الدعاية للمستشفيات الخاصة.
كانت هناك بعض التجارب التى لم يكتب لها الاستمرار مثل مجلة طبيبك الخاص التى كان من الممكن ببعض الدعم من الدولة والأطباء أن تقدم خدمة حقيقية للإنسان المصرى لكنها أيضا فيما أذكر تحولت إلى مجلة اجتماعية تروج للأطباء ولم تعرف طريق الموضوعات العلمية الطبية المجردة التى تخاطب وعى الإنسان وتنمى مداركه الصحية.
أتمنى أن تتبنى المراكز العلمية فى مصر فكرة إصدار أمثلة رصينة من الصفحات الطبية التى يمكن للإنسان المصرى الحصول عليها بسهولة والاحتفاظ بها لمراجعتها من آن لآخر ووقت الحاجة لمعرفة حقيقة معلومة طبية محددة.
أراها فكرة بالفعل تستحق التوقف عندها ومناقشتها فى ضوء الملابسات المصرية وثقافة المصريين خاصة فى تلك الأجواء التى يعلو فيها صوت الحوار الوطنى.
دمتم جميعا سالمين..