برج «الكاحول» المائل - طلعت إسماعيل - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 8:41 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

برج «الكاحول» المائل

نشر فى : الإثنين 5 يونيو 2017 - 9:35 م | آخر تحديث : الإثنين 5 يونيو 2017 - 9:35 م

نحن شعب لا يتعلم من أخطائه، نرى الخطأ ماثلا للعيان فنتحايل عليه، ونستعين بمن يساعدنا على تمريره، ثم ندعى أننا لم نكن نعرف، وهذا للأسف ما يحكم غالبية قراراتنا، الصغير منها والكبير لا فرق، ففى الثمانينيات من القرن الماضى وقعنا ضحية شركات توظيف الأموال، وعندما انكشف المستور صرخنا «وا تحويشة العمر وا» وما هى إلا سنوات قليلة حتى لدغنا من الجحر مثنى وثلاث ورباع، تارة عبر شراء كروت شحن للهواتف الجوالة بنسب ربح غير منطقية، وأخرى بالوقوع فى براثن كل «مستريح»، ومن قبل ومن بعد الوقوع ضحايا للنصابين من مقاولى العقارات محترفى البناء المخالف اعتمادا على موظفى الأحياء المرتشين.
وفى كل مرة لا يتوقف الإعلام بوسائله المختلفة عن توعية الناس وكشف النصابين وألاعيبهم، إلا أننا نعاود الكرة من جديد، ويقع بعضنا ضحية ربما لألاعيب يعاد استخدامها «بالكربون»، ولا أحد يريد أن يتعلم من الخطأ، وأتذكر أننى دخلت فى نقاش حامى الوطيس مع أحد الاصدقاء فى منتصف الثمانينيات، لتوعيته بخطورة وضع مدخراته القليلة فى إحدى شركات توظيف الأموال، واتهامه لى بالتشكيك فى «الناس الطيبين» قبل أن يسترد نصف ماله بصعوبة على شكل «بامية مجمدة» وسلع راكدة باعها بربع ثمنها.
وفى سوق العقار لم نتعلم من وقوع البعض ضحية بيع الوحدة السكنية لأكثر من شخص، ولم نلتفت إلى حملات التوعية بضرورة التأكد من أن العقار ملك لمن يبيع وحداته، وأن العقار ذاته جرى بناؤه طبقا للمعايير والمواصفات، وحاصل على التراخيص السليمة، ومازلنا نسارع إلى شراء الوحدات المخالفة بكل همة ونشاط، وكأن المالك من ذوى القربى الذى يجب الشد من أزره، ومساعدته على المخالفات.
وقبل سنوات وجدتنى طرفا فى مناظرة بقناة فضائية مع أحد مقاولى العقارات فى المنطقة التى أسكن فيها، بعد أن هجم عليها عدد من محترفى البناء المخالف لتتحول على أيديهم إلى بؤرة لبناء الأدوار التى تتجاوز الحد المسموح به، ورغم مسارعة الحى إلى إزالة الأدوار المخالفة فى عدد من العقارات، إلا أن حركة البيع والشراء كانت تتم على أشدها فى العقارات المخالفة، ويومها كان المقاول يدافع عن وجهة نظر المخالفين بحجج بالية، اضطر معها أحد مسئولى المحافظة لإجراء مداخلة تعرى أساليب كل مخالف.
بلا شك هناك تقصير من جانب المسئولين عن تعقب المخالفين سواء فى الأحياء، التى يشارك ــ للأسف ــ بعض موظفيها فى خلق المشكلة، وفى الجهات المنوط بها تنفيذ القانون وردع المخالفين، تحت دعاوى الدراسات الأمنية، وبما يعطى المخالفين فرصة التبجح وإخراج اللسان للقانون، غير أن ذلك لا ينفى مسئولية المواطن عن المساعدة فى تمادى كل مخالف، ولعل عقار الأزاريطة المائل الذى كشف فساد الأحياء، وقلة ضمير بعض الملاك فى الإسكندرية، خير دليل، فلم يسأل أى ساكن فى العقار المنكوب نفسه قبل شراء وحدته كيف حصل صاحب العقار على ترخيص بناء 13 طابقا فى شارع لا تتجاوز مساحته بضعة أمتار؟!
كما أن ظاهرة «الكاحول» الذى تتم المخالفة باسمه نيابة عن صاحب العقار الحقيقى، تكشف إلى أى مدى بتنا نستحل أرواح الناس مقابل بضع جنيهات، فصاحب العقار أباح لنفسه المخالفة باسم غيره، والمقاول تحايل عبر المحامى على المخالفات، والحى اكتفى بإصدار قرارات الإزالة، بدلا من أن يئد المشكلة فى مهدها عند بناء أول دور مخالف، والسكان تواطؤا بالشراء والسكن رغم معرفتهم أن كل شىء يتم بصورة «خاطئة»، وتصرف الجميع كـ«الكاحول» الذى تظاهر بجهله، وتعلل بفقره، لارتكاب جريمة مكتملة الأركان.. وتلك هى لب المشكلة المتكررة فى حياتنا.

التعليقات