قلق إسرائيلى رسمى من مستقبل الاقتصاد - قضايا يهودية - بوابة الشروق
الأربعاء 3 يوليه 2024 8:13 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قلق إسرائيلى رسمى من مستقبل الاقتصاد

نشر فى : الأربعاء 5 يونيو 2024 - 7:10 م | آخر تحديث : الأربعاء 5 يونيو 2024 - 7:10 م

 

عكس قرار بنك إسرائيل المركزى فى الأسبوع الماضى الإبقاء على مستوى الفائدة العالية، نسبيا، وهى بالمجمل 6%، كفائدة أساسية، حتى أوائل يوليو المقبل، عمق القلق الإسرائيلى المهنى الرسمى، على مستقبل الاقتصاد الإسرائيلى، فى ظل أزمة لم تعرفها إسرائيل منذ عقود. فقد ضربت الاقتصاد الإسرائيلى العديد من الأزمات فى العقود الأخيرة، إلا أن الأزمة الحالية، التى سببها الأساس الحرب، سترافق إسرائيل لسنوات، حتى تسديد ثمنها الاقتصادى المتفاقم باستمرار، خاصة أن فترة الحرب التى قاربت 9 أشهر، فاقت هى أيضا توقعات فترة استمرارها، خاصة التوقعات التى كانت فى أساس التقديرات الاقتصادية، فالغلاء يتفاقم أكثر، والعجز فى الموازنة العامة يقفز بعيدا عن جميع التقديرات السابقة، إن كانت رسمية أو خاصة، وفى ظل كل هذا تطل البنوك الإسرائيلية الكبرى، معلنة تسجيل ذروة جديدة، وغير مسبوقة، فى حجم أرباحها فى الربع الأول من العام الحالى.

فقد غرق الاقتصاد الإسرائيلى فى عدد من الأزمات الاقتصادية الكبيرة، خاصة فى العقدين الأخيرين، مثل تلك التى كانت فى مطلع سنوات الألفين، وخلّفتها الانتفاضة الثانية، لكن سرعان ما خرج منها الاقتصاد، ثم جاءت أزمة العامين 2009- 2010، متأثرة من الأزمة الاقتصادية العالمية، وهنا أيضا كان الاقتصاد الإسرائيلى من بين الدول القليلة التى كان خروجها من الأزمة سريعا. وكذا الأزمة الاقتصادية التى خلفها وباء الكورونا، قبل أربع وثلاث سنوات، وهى أيضا كانت قصيرة، وتم تجاوز آثارها سريعا نسبيا.

أما الأزمة الحالية، النابعة أساسا من كلفة الحرب، فى الجانبين العسكرى والمدنى، وما يرافقها من انعكاسات إقليمية، أبرزها إغلاق المدخل الجنوبى للبحر الأحمر فى وجه السفن المحملة ببضائع لإسرائيل، أو منها، والمقاطعة الاقتصادية التركية، وغيرها، سترافق الاقتصاد الإسرائيلى سنوات عديدة، إذ أن فاتورة الحرب فى ارتفاع مستمر، بدأت فى بداية الحرب تتحدث عن 80 إلى 120 مليار شيكل، وحاليا فإن التقدير الأخير بنحو 240 مليار شيكل لم يعد واقعيا، وهذا سينعكس أولا على الموازنة العامة، التى رفعت ميزانية الجيش وكل ما يتعلق بـ«الأمن»، بأكثر من 80% لأربع سنوات، وكما يبدو هذا ليس نهائيا، إلى جانب الكلفة المدنية، مثل تعويض من تم إخلاؤهم من بيوتهم فى الجنوب والشمال، ودفع تعويضات لعائلات القتلى، وتعويضات للمصابين، عسكريين ومدنيين، وإلى جانب كل هذا، خسائر الاقتصاد الإسرائيلى بسبب الحرب، مثل شبه توقف السياحة الداخلة.

 •  •  • 

كان بنك إسرائيل المركزى قد أعلن، فى الأسبوع الماضى، إبقاء الفائدة البنكية عند مستواها، 4.5%، يضاف لها فائدة أساسية 1.5%، بمعنى 6%، وستبقى هذه الحال إلى حين الإعلان التالى عن مستوى الفائدة، يوم 8 يوليو المقبل، والاحتمال ضعيف جدا بخفض الفائدة أيضا فى ذلك التاريخ.

الدافع الأول لإبقاء الفائدة عند مستواها كان ارتفاع معدل التضخم المالى، بقصد استمرار واستفحال موجة الغلاء، وكلفة المعيشة، إذ إن التضخم فى الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالى، سجل ارتفاعا بنسبة 1.8%، وحسب التقديرات، فإن التضخم سيتجاوز نسبة 3% بعد إعلان تضخم شهرى مايو المنصرم، ويونيو الحالى، فى حين أن التقديرات كانت تتحدث عن نسبة تضخم إجمالية فى العام الحالى، دون نسبة 3%، وهى النسبة الأعلى التى تحددها سياسة بنك إسرائيل للتضخم السنوى.

ويقول المحلل الاقتصادى أدريان بايلوت، فى مقال له فى صحيفة «كالكاليست» الاقتصادية، التابعة لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، إنه ليس فقط القرار الأخير قضى بعدم خفض الفائدة، بل من غير المتوقع تخفيضها خلال العام الحالى كله.

ويشار هنا إلى أن تقديرات بنك إسرائيل فى نهاية العام الماضى 2023، كانت أن الفائدة ستنخفض بأربع مرات، من أصل 8 مرات سنويا، يعلن فيها البنك عن مستوى الفائدة البنكية، وكان البنك قد خفض الفائدة بنسبة 0.25% فى اليوم الأول من العام الحالى.

عدّد بايلوت أسباب عدم خفض الفائدة، وأولها عودة التضخم المالى إلى مسار الارتفاع، وبالذات فى فروع الاستهلاك والخدمات الأساسية. وقال: «المشكلة الأخرى هى أن هذا ليس تضخما مستوردا: فخلافا لما رأيناه خلال العامين 2022 و2023، فإن التضخم فى معظم الدول الغربية يتجه نحو الاعتدال، وبالتأكيد لا يرتفع. وبهذا فإن التضخم فى الاقتصاد الإسرائيلى لا يأتى من الخارج، لذلك من المهم أن نفهم من أين يأتى».

وتابع أن هناك سببا آخر لارتفاع التضخم، «هو تقاعس الحكومة عن معالجة قضية كلفة المعيشة برمتها. لقد تخلت الحكومة وقادتها عن هذا الملف تماما. ولهذا لا يستطيع بنك إسرائيل أن يفعل الكثير حيال ذلك لأنه لا يملك سوى أداة واحدة، وهى الأكثر قسوة: سعر الفائدة. إنه فأس يقطع بشكل عشوائى ويضرب بشكل رئيس الطبقات الأضعف (الأغنياء يعرفون أيضا كيف يستفيدون منها، على سبيل المثال من خلال شراء الأوراق المالية المرتبطة بالمؤشر). والغرض من رفع سعر الفائدة واحد وواضح: قمع الطلب (بما فى ذلك الاستهلاك) بوحشية، وذلك من خلال التأثير بشكل مباشر على القوة الشرائية للمستهلك».

 

•  •  •

 بموازاة موجة الغلاء، وعبء الفائدة البنكية على الجمهور، يواجه الاقتصاد الإسرائيلى أزمتين عميقتين: الأولى استفحال العجز فى الموازنة العامة، الذى بلغ فى نهاية شهر أبريل نسبة 7% من حجم الناتج العام، بمعنى 140 مليار شيكل، وهذا يعادل حوالى 38 مليار دولار، وحسب التقديرات، التى سنعرفها أكثر خلال الأيام القليلة المقبلة، فإن العجز حتى نهاية مايو المنصرم، من المتوقع أن يقفز إلى نسبة أعلى مما كانت عليه فى الشهر الذى سبق.

واقتبست الصحافة الاقتصادية الإسرائيلية تصريحا لمن تم وصفه بأنه «مسئول كبير فى وزارة المالية» قال فيه إن العجز فى الميزانية العامة قد ينتهى هذا العام بما بين 8% إلى 9%، علما أن ميزانية العام الحالى، وبعد تعديلها، قائمة على أساس عجز بنسبة 6.6%. وهذا التصريح قد يكون الواقع، إذا لم يكن أكثر، إذ لا تلوح فى الأفق أى مؤشرات للجم العجز، أمام زيادة النفقات على الحرب ومخلفاتها، وتراجع مداخيل الضريبة.

الجانب الثانى، هو إجماع التقديرات الاقتصادية كافة، من مؤسسات عالمية، وأيضا مؤسسات وشركات مالية إسرائيلية، على أن النمو الاقتصادى الإسرائيلى فى العام الحالى، يتراوح ما بين الانكماش الضمنى، وحتى الانكماش الفعلى. فنسبة النمو الاقتصادى فى أى بلد فى العالم، تقارن بنسبة التكاثر الطبيعى فى الدولة، وفى إسرائيل هى 2% سنويا، ولربما أقل بنسبة طفيفة منها، ولهذا فإن كل نسبة نمو فوق صفر بالمائة، وأقل من نسبة التكاثر تعد انكماشا ضمنيا.

وقالت شركة التقديرات الاقتصادية العالمية، ذات الأهمية الخاصة، ستاندرد آند بورز، فى تقرير أخير لها، إن الاقتصاد الإسرائيلى سينمو هذا العام بنسبة نصف بالمئة (0.5%)، ويقول المحلل بايلوت، السابق ذكره، إن ستاندرد آند بورز، طرحت هذا التقدير قبل 6 أشهر، ولاقت استخفافا إسرائيليا رسميا.

أما الآن، فإن مؤسسات مالية إسرائيلية تتوقع ما هو أسوأ، فالبنك الإسرائيلى الأكبر «هبوعليم» (العمال)، يتوقع انكماشا اقتصاديا فعليا، بنسبة 1%، فى حين أن تقديرات البنك الإسرائيلى الثانى من حيث الحجم، ليئومى، يتوقع ارتفاع النمو بنسبة 1.5%، وهو انكماش ضمنى، إلا أن هذا البنك لفت إلى أن التوجهات اللاحقة هى نحو ما هو أقل.

 •  •  •

 أمام كل هذا الواقع الاقتصادى على المستويين الحكومى والشعبى، فإن الواقع لدى كبرى الشركات والمؤسسات الاقتصادية مختلف بـ 180 درجة، وأولها البنوك الإسرائيلية، التى توحى تقاريرها المالية عن الربع الأول من العام الحالى 2024 (أول 3 أشهر) بأن هذا العام سيسجل لها ذروة جديدة وكبيرة فى الأرباح الصافية، بعد أن سجلت البنوك الخمسة الكبرى أرباحا صافية إجمالية، حوالى 7.7 مليار شيكل، وعلى هذا الأساس المعدل السنوى للأرباح، إذا لم تحدث مفاجأة اقتصادية، سيفوق 30 مليار شيكل (8.1 مليار دولار)، للبنوك الخمسة الكبرى معا، مقابل 25.6 فى العام الماضى 2023، وأكثر من 23 ملياراً فى العام 2022، و18.3 مليار شيكل فى العام 2021.

يعود مصدر الأرباح الفاحشة فى العامين الأخيرين، إلى رفع الفائدة البنكية، بقرار من بنك إسرائيل، بدعوى مكافحة الغلاء، بتقليص كمية الأموال التى فى جيوب الناس؛ إلا أن هذه الأموال تصب فى جيوب أصحاب البنوك، الذين يدفعون ضرائب بنسبة ضئيلة نسبيا. وقد عارضت البنوك مشروع قانون قدمه أعضاء كنيست يفرض ضرائب عالية على الأرباح من الفوائد، ولاقت البنوك دعما لموقفها من وزارة المالية الإسرائيلية، وكذلك من بنك إسرائيل المركزي. وتم الاتفاق على أن تدفع البنوك للحكومة لمرة واحدة فقط، ما مجموعه 2.5 مليار شيكل وليس كضريبة.

 برهوم جرايسى

 مركز مدار الفلسطينى للدراسات الإسرائيلية

 النص الأصلى

 

قضايا يهودية قضايا يهودية
التعليقات