«هناك ثلاث مدارس فى كتابة التاريخ، مدرسة «ما قال لى وقلت له» دون وجود أى دليل على صدق ما يقال، ومدرسة «يا عوازل فلفلوا»، وتعنى أن يكتب التاريخ شخص يسعى لإغاظة شخص ما بإعلاء شأن أحد أو الحط من شأن آخر، أما المدرسة الثالثة فهى التى تعتمد على الوثائق الصحيحة، ولذا فهى مدرسة موضوعية علمية».. هكذا لخص الكاتب أنيس منصور طرق كتابة التاريخ فى أحد مقالات عموده «مواقف» لنتساءل بأى الطرق يكتب التاريخ فى مصر وهل نعرف تاريخنا حقا ؟ أم أن ما نعرفه من تاريخنا ــ المعاصر على الأقل ــ مجرد حكايات منقولة وتصفية حسابات؟.
إحنا كشباب بنستقى معظم معلوماتنا عن التاريخ أولا من كتب الوزارة اللى ما أن تنتهى مهمتها بالنسبة لينا بعد أداء الامتحانات حتى يكون مصيرها التخزين فى الصندرة أو تحت السرير أو بيعها بالكيلو لعم مصيلحى بتاع اللب، ويمكن حد فينا يتهور أحدنا ويرميها فى سلة المهملات نتيجة لمشاعر الغضب المتراكم ناحية مناهج بنجبر إننا نصمها عشان نسمعها فى الامتحان ومعلومات وتواريخ وأحداث بنحفظها غايبا ونسمعها حرف حرف لكن فى النهاية ما بنفهمهاش. ولو انت من الناس المجتهدة اللى نفسهم بجد يفهموا أو بيدفعهم الفضول لمعرفة معلومات أكتر من اللى موجودة فى كتب الوزارة عن التاريخ فبيحاولوا يدوروا على كتابات ومذكرات ناس عاشوا فى نفس الفترة التاريخية وكتب لمؤرخين وصحفيين وكتاب كبار يفترض إن كلامهم ثقة ومعلوماتهم موثوق فيها مع الالتزام بقاعدة إن اللى مكتوب فى كتب الوزارة ده أكيد هو اللى حصل ــ هتقابل صدمة عمرك لما تكتشف إن الحقايق اللى فى كتب الوزارة دى أساسا مش حقايق.. دى مجرد وجهات نظر.
ولما تقرا أكتر عن أى فترة تاريخية فى مصر هتلاقى نسبة كبيرة جدا من المؤرخين أو الكتاب بيكتبوا التاريخ من وجهة نظر شخصية بحتة.. وغالبا كل وجهة نظر بتقراها فى كتاب بيتكلم عن إحدى الفترات التاريخية بتبقى عكس وجهة نظر كتاب تانى عن نفس الفترة تماما..و بما إنك أنت شخصيا ماعشتش الفترة دى وما تعرفش حد عاشها يكون شاهد عيان يساعدك على التفريق بين وجهات النظر المختلفة وبيان أيهم أقرب للى حصل فعلا.
فبيحصلك حالة بلبلة.. وغالبا بتخرج من تجربة محاولة فهم التاريخ دى وأكنك أبو الليف وهو خارج من امتحان فى الكيميا النووية..باختصار.. مش فاهم أى حاجة.. لو تعمقت فى دراسة الكتابات اللى بتدور حول ثورة يوليو مثلا اللى احتفلنا بذكراها مؤخرا ممكن توصل للحالة دى..الكتابات اللى بتتناول ثورة يوليو بتقولك إيه؟.. دى ثورة.. لا ده انقلاب.. دى أحسن حاجة حصلت فى تاريخ مصر.. دى بداية الإنحطاط.. الضباط الأحرار كانوا أبطال شعبيين يعملون من أجل مستقبل الوطن..أعضاء قيادة الثورة دول كانوا شلة منتفعين وكل اللى كان يهمهم مصلحتهم وبس.. الثورة قضت على الإقطاع.. الثورة سرقت أراضى الناس.. السد العالى أعظم مشروع تم تنفيذه فى القرن العشرين.. السد العالى هو سبب انهيار مكانة مصر كدولة زراعية..
عبدالناصر كان قائدا عظيما.. عبدالناصر كان ظالما وديكتاتورا.. وهكذا من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار والكل يكتب بطريقة يا ابيض يا اسود مافيش ألوان.. طيب تعمل إيه كشاب عايز يعرف تاريخ بلده الحقيقى؟.. فين الحقايق والدراسات المدعومة بالأدلة اللى تخليك تفهم اللى فات عشان يمكن تستفيد بيه فى فهم واختيار اللى جاى؟.. (عارفه إن اختيار اللى جاى دى غالبا فطستك من الضحك لكن معلش.. يمكن).. اللى قبلنا قالوا اللى مالوش ماضى مالوش مستقبل وقالوا كمان من فات قديمه تاه.. طب واللى مش فاهم قديمه ده حصل فيه إيه يعمل إيه بالظبط؟