يخيم على مصر اليومين دول حالة من انتظار المجهول، كل الناس ماشية فى الشوارع تايهة، وكأنهم بيدوروا على حاجة ومش عارفين بالظبط هى إيه أو يلاقوها فين.. القلق بيسود الوجوه والتحفز بيآكل الأعصاب، والأيادى فوق الريموتات بتضغط الأزرار وتقلب بعصبية بين القنوات اللى رافعة شعارات «الحرب على الإرهاب»، «إيجيبت أندر أتاك»... مستنيين يعرفوا إيه نتيجة هذا الـ «أتاك»، والحرب على الإرهاب خلصت كام كام؟، باختصار شديد، الشعب المصرى يبحث عن «قفلة»، فى أى مواجهة بين طرفين، لابد أن تنتهى المواجهة بطرف خاسر وطرف منتصر، تعلمنا الحكمة دى بدءا من تاريخ الفراعنة، مرورا بروايات تشارلز ديكنز وانتهاء بأفلام السبكى، ربما لهذا السبب احتضن الشعب المصرى «تسلم الأيادي» كنشيد وطنى شعبى داير طول النهار فى الميكروباص والتكاتك والأفراح والسبوع وأعياد الميلاد، فالأغنية تحمل كل عناصر الفرح اللى بيظهر دايما فى آخر مشهد من مشاهد أفلام السبكى ــ اللهم فيما عدا الرقاصة ــ ليعلن نهاية الفيلم ونهاية الحرب، وانتصار الخير واندحار الشر، لكن هيهات، كل اللى بيحصل حوالينا مجرد أحداث باهتة تثير الإحباط فى نفوس شعب أدمن أفلام الدرجة التالتة ونهاياتها الحاسمة والمتوقعة.
الفيلم ما خلصش، والحرب تكاد تكون لسه ما بدأتش أصلا، يا دوب لسه داخلين عصر العبوات الناسفة، ولسه ما شفناش لحد دلوقتى تفجير «استشهادي» واحد، وفض الاعتصامات قامت بيه الشرطة، ما اتاحش الفرصة اللى انتظرها البعض للموت تحت جنازير الدبابات. الكتير من الناس كان نفسهم الوضع يكون دموى أكتر من كده عشان يبقى ذريعة للقضاء على الإسلاميين بكل أعدادهم جمعاء، ونقفل الليلة دى خالص بأه، والإسلاميين فى انتظار تفسخ شامل فى الجيش أو ضربة عسكرية من أبانا الذى فى البيت الأبيض، عشان ياخد بحقهم من البلد واللى فيها.. وبالتالى الوضع الحالى يعتبر وضع مايع بالنسبة للجميع حتى مع كل الضحايا اللى سقطوا يظل الوضع لم يرق لتصوراتهم عن «حرب أهلية» بكل ما تحمله الكلمة من معان. بطل الفيلم لسه ما فازش بالجميلة، كما يتمنى البعض فوز السيسى بالرئاسة، أو كما ينتظر البعض الآخر عودة مرسى على حصانة الأبيض من السرداب. وشرير الفيلم لم ينهزم فالإخوان لا يزالوا فى كل مكان، بل وبدأوا حملاتهم المعتادة من الباب للباب فى القرى والأقاليم، استعدادا لأى انتخابات أو استفتاءات قادمة. والجيش لسه بيشكل لجان تكتب الدستور وفى نفس الوقت بيصنع مكرونة وكأن شيئا لم يكن. المشاهدون اللى إيديهم جوه أكياس الفشار لسه ما شبعوش من مشاهد الأكشان ولا وصلوا لمشهد الذروة اللى بتبقى فيه المواجهة المباشرة بين الطيب والشرير... لا عارفين يسيبوا السينما ويروحوا يشوفوا شغلهم ويخططوا لبكره ولبعد بكره، ولا حتى ينامولهم ساعة على أنغام موسيقى الفيلم الممل، خوفا من لحظة يتغير فيها ميزان الأحداث.
وتظل لحظات القلق وتستمر حالة الانتظار، وتستمر الأصابع فى الضغط الميكانيكى على أزرار الريموت والتنقل الرتيب بين القنوات فى انتظار «قفلة» لسه أوانها ما جاش.