فى المعارك الأيدولوجية العصيبة زى المعركة اللى احنا بنمر بيها حاليا، من السهل قلب المعارك لأبيض وأسود، أهلى وزمالك، يمين وشمال، دون أى محاولة لوضع نفسك مكان الطرف التانى أو محاولة فهمه وفهم دوافعه والعوامل اللى خلته بأه مختلف عنك كل هذا الاختلاف.
كل واحد فينا ليه صديق على الجبهة التانية، لو إخوان ليك صاحب من بنو ليبرال زى ما بتسميهم، ولو بتعتبر نفسك ضد الفاشية الدينية أكيد لايحة أصدقائك تحتوى على واحد إخوان، وكام واحد مش إخوان بس بتحترمهم. هل حاولت مؤخرا إنك تحط نفسك مكانهم أو ترجع بالشريط لورا عشان تفهم إزاى بعد ما كان طريقكم واحد، وصل بيكم الأمر لأنكم حاليا واقفين فى جبهتين متناحرتين؟
أنا حاولت.. ومريت من يومين على أكاونت فيس بوك لصديقة «سابقة» تنتمى للإخوان قلبا وقالبا، ولم تزدنى الزيارة إلا المزيد من وجع القلب. قريت شهاداتها عن قتلى رابعة وأحداث المنصة وغيرها من الأحداث، شهادات ورا شهادات، وصور لجثث ورا جثث لأشخاص كان ممكن يوصفوا بسهولة من الناس على إنهم إرهابيون فقط لأنهم بينتموا للإخوان وقتلوا فى اعتصام من اعتصاماتهم، لكن بعد قراية شهادات أصدقائهم عنهم تقدر تشوف بوضوح إن كتير منهم كانت قلوبهم نضيفة وشخصياتهم ومواقفهم تستحق الاحترام، لكن يظل الاحتفال بموتهم شىء عمرى ما هافهمه، ولا هافهم يعنى إيه أقعد فى مكان وأنا عارف إنى هاموت فيه وأفضل قاعد مرابط عشان أتقتل وأبقى شهيد وأدخل الجنة وأنا ابن ١٨ أو ٢٠ أو ٢٥ سنة!
النوعية دى من الأفكار اللى بتزرع من الصغر فى قلوب أطفال وشباب بيدوروا على حاجة ينتموا ليها، وحاسين بالغربة بين أقرانهم ربما لأن فطرتهم بتخليهم يدوروا على مكان فيه أخلاق مشابهة لأخلاقهم العالية وأفكار مشابهة لأفكارهم اللى بيغلب عليها الجدية.
وفى غياب أى دور للدولة ممثلة فى المدرسة والنادى والمسجد، وفى ظل عدم فهم الأهل، أو تشجيعهم إذا كانوا هم كمان جزء من التنظيم، بيلتقط التنظيم الشباب دول ويشتغل عليهم بمنطق «الطايفة» اللى بيقتنع أفرادها بفكر معين بيعتقدوا فى صحته وما بيخامرهومش فيه أى شك.. النوعية دى من الطوائف موجودة بكثرة فى الغرب، يقنع شخص ما مجموعة من الناس إنه نبى أو مرسل أو إنه وصل للمعنى الخفى للحياة، فينضمله العشرات أو المئات وأحيانا الآلف، ودايما النتيجة مأساوية.
المدعو «جيم جونز» مؤسس طائفة «معبدالشعب» مثلا أقنع ٩٠٩ من أتباعه سنة ١٩٧٨ إنهم ينتحرون انتحارا جماعيا بشرب السم وإعطائه لأطفالهم اللى زاد عددهم على ٢٠٠، أما مؤسسو طائفة «بوابة الجنة» فأقنعوا أتباعهم بالانتحار الجماعى أيضا أثناء مرور مذنب «هايل ــ بوب» بالقرب من الكرة الأرضية، بعد ما أقنعوهم إن ورا ديله فيه مركبة فضائية هتاخدهم كلهم للجنة لو كلهم ماتوا فى نفس الوقت.
القبول بالأوامر بلا نقاش بتكون دايما من أهم قواعد الطايفة، التبرع بجزء من الدخل برضه بتكون قاعدة مشتركة، لكن أهم وأخطر قواعدها هو التشجيع المستمر على حب الموت والسعى إليه والإيمان بإنه هو الحل الوحيد وهو الأمل والمنتهى. إقناع المنتمين لأى طائفة بالهدف ده لسبب ما ما بيبقاش صعب، وهو اللى من رأيى حاصل هنا، خاصة أن جزءا كبيرا من ثقافتنا الإسلامية بيحبذ فكرة «الشهادة» و«الموت فى سبيل الله» وبيعتبرها من الأشياء المقدسة، وما أسهل إن قادة أى تنظيم يخلطوا رغباتهم فى السيادة والسيطرة بأى خلطة دينية، عشان الكل يؤمن إن الموت فى سبيل التنظيم هو موت فى سبيل الدين أو الحق أو العدل، وبكده بيدفع العضو دمه وروحه وشبابه فى سبيل ملك أو حكم أو نفوذ، ظنا منه إنه بينصر قيم أسمى موجودة فى قلبه ويظن أن الكيان اللى بينتمى ليه ده بينصرها هو كمان.
وعشان كل الأسباب دى، الناس فى بلدنا انتفضت ضد التنظيم، الناس فى بلدنا بتحب الحياة، بتحب خروجة يوم الخميس وفيلم السينما وأسبوع المصيف وأكل الدرة والمشى على الكورنيش.. الناس فى بلدنا عقلها فى رأسها، ماحدش يمليها أوامر ويقولها بدون جدال ولا نقاش، الناس فى بلدنا مؤمنين إن ربنا ما حطناش فى الأرض عشان نتمنى الموت ونتخيل إن فيه راحة وانتصار.. الناس فى بلدنا لما بتدافع عن قضية بتبقى عايزه تعيش وتقعد على قلب اللى بيحاربها وتبقى شوكة فى حلقه وتطلع عين اللى جابوه.
أصدقائى من الإخوان دايما بيكتبوا فى بروفايلتهم جملة «حتما سننتصر لأننا نعشق الموت كما تعشقون الحياة»، ومين اللى قال إنها شطارة إنك تعشق الموت؟!، ومين قال إنه عيب إنك تعشق الحياة وتعشق إنك تعيشها وتفرح وتكبر وتربى وتبنى وتزرع وتحصد وتعمر كوكب بحاله ربنا جعلك رسوله إليه؟. أصدقائى الإخوان دايما بيكتبوا فى مقالاتهم وبيهتفوا فى تجمعاتهم «ع القدس رايحين شهداء بالملايين»، وليه مش «ع القدس رايحين وهنرجع منتصرين»؟!، ليه لازم نموت عشان يبقى ده انتصار؟، ليه لازم نستشهد ونسيب وجع فى قلوب أهالينا وأصحابنا عشان نبقى أدينا المهمة اللى ربنا جابنا الأرض عشانها؟، وليه دايما فيه أشخاص يبدو عليهم العقل والالتزام بيقعوا فريسة للفكر ده؟، ليه دايما الواحد لازم يقف متكتف وهو بيشوف أحسن أصحابه بيقعوا فريسة للفكر ده وقلبه بيوجعه إنه ما بيقدرش يوقفهم قبل فوات الأوان؟، اللهم اهدى قومى فإنهم لا يعلمون!