آن الآوان أن يخرج مبارك من رأسك بإرادتك أنت، كما أخرجته من حكمه، وأنهيت كل آماله وآمال عائلته فى استمرار الملك، وأغلقت صفحة تاريخه بكثير من العار، أعرف أن هذا إنجازك وحدك، وأن إيداع الرجل قفص الاتهام دفعت ثمنه دما وصبرا وتخوينا متواصلا، وأعرف أن فى حلقك ألف غصة من عهد الرجل الذى أضحى متهما بين يدى العدالة، وخرج من حالته الرئاسية الملكية كأسوأ ما يخرج حاكم فى التاريخ.
لكن مبارك الآن بين يدى العدالة، وضع مع عائلته فى قطار مصيرهم الذى تحرك وانطلق، ولم يعد أمامك ما تقوله أو تفعله، إلا إذا كنت تملك من الدلائل ما يفيد القاضى، لكن الوطن الآن لم يوضع فى قطار مصيره بعد، أنت مطالب أن تلتفت لبناء القطار وإعداد الوقود ليسير فى اتجاه المستقبل الذى نريد.
ظل مبارك وإرثه معوقا حقيقيا للنظر إلى الأمام، ثقلا يشدك للخلف كلما حاولت أن تخطو خطوة للأمام تقطع ما بينك وبين الماضى وتستشرف المستقبل، وكنت أدرك ذلك لكن لا أملك أن أطلب منك أن تخرجه من رأسك، وهو مازال بعيدا عن قبضة العدالة، يعامل معاملة استثنائية، ولديك شكوك فى نوايا «أولى الأمر» وكأنهم غير راغبين فى محاكمته.
لكن اليوم أودع الرجل أمانة قاض، وصرت مطالبا أن تقبل الحكم حين يصدر شافيا غليلك، أو تلجأ إلى آليات الاعتراض والطعن القانونية إذا لم يفعل، مبارك أمام القانون برىء حتى تثبت إدانته، حتى لو كان أمامى وأمامك مدان ألف مرة، صدر حكم الشعب فى حقه وتم التنفيذ، خرج من القصر إلى القفص، وبقى حكم القاضى الذى يملك التقدير وحده، ودون الحكم يبقى مشهده داخل القفص فى قبضة عدالة يحرسها الشعب، درسا ولا أبلغ، وعقوبة ولا أصعب، لا يشعر بمرارتها سوى الجبابرة والمستكبرين.
دع مبارك يواجه مصيره إذن، لا تنشغل به بعد اليوم إلا بالقدر الذى يستحقه، إذا ما قورن بما ينتظر من تحديات لبناء وطن أن تعلم حجم ما أصابه من تخريب طوال عقود، اترك مبارك لقاضية والتفت لتطهير البلاد من كل مبارك مازال باقيا بذات السلوك والقيم والأداء، وكل مبارك يحاول أن يأتى متسلحا بمظهر لا يخفى جوهرا رديئا.
هدمت نظام مبارك فى أساسه، وصارت محاولة إعادة بنائه مستحيلة، فلتلتفت اليوم لهدم قيم مبارك وأخلاق عصره التى تفشت فى كل مكان لتفسد عليك كل شىء، طريقك وغذاءك وتعليم أبنائك، لتصنع لهذه الثورة العظيمة نموذجها الاجتماعى والأخلاقى الجديد المتحرر من رداءة ما مضى.
كل مساحة يشغلها مبارك فى رأسك تطغى على مساحة ملك المستقبل تؤثر على تركيزك وانتباهك لما هو قادم من تحديات ومخاطر، لا تسمح لمبارك أن يؤثر على المستقبل كما دمر الماضى، أن يحكم المستقبل من قفصه كما حكم الماضى من قصره، الثورة ليست فقط خلع مبارك ومحاكمته وعقابه، للثورة مهام متوازية أقلها محاكمة متهم وعقابه.
لا تنس الماضى لكن لا تعش فيه، لا تغفر لكن لا تتفرغ للانتقام، لا تستغرق فى الحديث عن رداءة الأمس، حتى لا تفقد حلاوة ما يجب أن يكون عليه الغد.. أو هكذا أعتقد..!