نبذة عن «تباشير الفجر الكاذب».. وما قبل وما بعد! - محمد عبدالشفيع عيسى - بوابة الشروق
الأحد 13 أبريل 2025 3:43 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

نبذة عن «تباشير الفجر الكاذب».. وما قبل وما بعد!

نشر فى : الخميس 10 أبريل 2025 - 7:05 م | آخر تحديث : الخميس 10 أبريل 2025 - 7:05 م

أستأذن القارئ الكريم فى تقديم كلمة حول موضوع شخصى، إذ وقع لى حادث عرضىّ داخل المنزل، أجريت بعده عملية جراحية فى أحد مفاصل العظام.
واليوم إذ أعود للكتابة فى «الشروق» الغرّاء، أجد أمامى الكثير مما يستحق القول، وخاصة فى ساحة المشرق العربى العتيد، وبالأخص فى سوريا (الصغيرة – الحبيية) كما ذكرنا فى مقال سابق لنا. ولقد جرى ما جرى، وأجدنى مدفوعًا برغبة عارمة فى أن أحاول معاودة النظر، لتدبر الحال والمآل.
وأبادر بالقول إننى أجد من الصعوبة بمكان أن ألمح النور المنتظر فى نهاية النفق، وإنما أراها تباشير ما يسمى بالفجر الكاذب False Dawn الذى لا يسدّ ريقا ولا يروى عطشا طال به الأمد. وإذن أستبق تفصيل الحديث، لأرى «النظرة التشاؤمية» غالبة على مجمل الكلام.
إذْ ماذا يدفعنى لتفاؤل بغير مبرر، بينما لا أجد من حولى ما يدعو إلى ذلك أو إلى شىء منه، ولن أفيض فى محاولة تحليلية حول ذلك، مكتفيا بالقول إن حدث اليوم، وليد الأمس، بمثل ما أنه مقدمة للغد المرتقب الذى يصعب التكهن بفحواه من حيث المضمون، أو بتصميمه العام من حيث الشكل.
وهل لنا أن نتوقع فجرا حقيقيا (صحيحا) يولد من رحم ليل بهيم؟!
وما دمنا متشائمين هكذا، فلنقل إن الساحة العربية كانت ولمّا تزل ملبدة بالغيوم. ونذكر هنا، أن مقصودنا من الكتابة هو إلقاء الضوء على ما جرى فى المشرق العربى بالذات، مع استبعاد لكل من منطقة الخليج، ومنطقة المغرب العربى، مع وعى الترابط الجدلىّ بين أحداث الوطن العربى الكبير فى ساحاته العديدة، عبر الزمن. ولنقلْ إن «المشرق» - فى حقبة ما بعد الاستعمار القديم – أو ما يسمى بالعصر «ما بعد الكولونيالى» أى منذ أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات من القرن المنصرم - قد شهد ما يمكن أن نطلق عليه «ثورات ناقصة»، أو «ثورات لم تتم» على حد تعبير «إسحق دويتشر» فى كتابه عن «ثورات أوروبا الشرقية فى القرن العشرين. هى إذن ثورات – إن صحت تسمية بعضها ثورات حقًا- كانت فى جلها، وعلى الأغلب، محض انقلابات عسكرية (عدا عن النموذج الناصرى العربى الأصيل بقيادة الزعيم جمال عبد الناصر كما هو معروف). وإن لم تكن انقلابات عسكرية محضة، فقد كانت تغيرات سياسية، ظاهرية، سطحية بالأحرى، لا تنفذ إلى أعماق المجتمع وأغوار التاريخ.
هذا ما لاحظناه فى «المشرق العربى»، إن شئنا، مشتملا على ما يسمى بمنطقة الشام بمعناها الواسع+العراق؛ كما تجسد فى التطور السياسى المتذبذب لكل من سوريا ولبنان، والأردن، وفلسطين، والعراق. وعلى الطرف الآخر للثورات الناقصة، جاء «الضدّ المعكوس» ممثلا فى حركات سياسية متنوعة المشارب، تحت رايات وطنية أو قومية أو «إسلاموية» أو غير ذلك. ولما كان ذلك كذلك، فقد أصبحت الساحة العربية بمثابة (ملعب للكبار) بل وكذلك للصغار من البلدان الناشئة فى الوطن العربى، أو نحو ذلك.
وقد أخذ الكبار والصغار يلعبون ما شاء لهم اللعب، وبكافة أدوات اللعب، وأخطرها التسلح والحرب والتقسيم القهرى أو «التجزئة»، والعقوبات الاقتصادية، بالمعنى الواسع، من كل سبيل. ومن عجب أن تكون (سوريا الحبيبة) بمثابة نموذج مجسد لما سبق جميعه، حيث انقلابات عسكرية وشبه ثورات غير متكاملة، تقف قبالتها حركات بلافتات عديدة قومية أو وطنية أو إسلاموية، وغير ذلك.
هى إذن تباشير فجر كاذب، نراها من حولنا من بعد تغيرات سياسية فوضوية وثورات لم تتم فى أفضل الأحوال.
ومن التغيرات التى لم تتم، والتغيرات الفوضوية، إلى تباشير فجر كاذب، نصل إلى السؤال: وماذا بعد..؟ وكيف يمكن لنا أن نصنع الغد المرجوّ، و«الفجر الصحيح»؟ هنا نصل إلى الركن الثالث فى المنظومة السياسية العربية، تحليليًا، انتقالا من «التغيرات الناقصة» و«الفجر الكاذب» إلى ضرورة بناء حركة – أو حركات – سياسية عقائدية وفق المنظور العربى –التقدمى، انطلاقًا من أرضية اجتماعية صلبة، و«فضاء وطنى – قومى عتيد».

محمد عبدالشفيع عيسى أستاذ باحث في اقتصاديات التنمية والعلاقات الدولية
التعليقات