حتى 3 يوليو الماضى كان كل أنصار التيار أو الميدان الثالث يساندون إجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
هذا التيار الثالث ــ الذى يفضل بعض انصاره تسميته بالتيار الاول ــ صار أكثر معارضة للحكم الجديد والسبب المسار السياسى الذى يراه خاطئا خصوصا بعد فض اعتصام رابعة العدوية.
أعرف بعض هؤلاء شخصيا وكانت مواقفهم مبدئية، وانتقدوا الاخوان فى عز قوتهم ولم ينافقوا النظام الراهن وبالتالى يصعب وربما يستحيل وصفهم بالانتهازيين.
بجانب هؤلاء فإن المنتمين للإخوان أو المتعاطفين معهم، أو الذين انشقوا عليهم تنظيميا لكنهم معهم قلبيا.. ربما وجدوا فى فكرة الطريق الثالث ملاذا آمنا، هبط عليهم من السماء كهدية تائه فى صحراء قاحلة وجد طائرة هليكوبتر.
فى هذا الجو المحموم بالاستقطاب وبغض النظر عن النوايا الطيبة لكثيرين فإن السياسيين يحسبون الأمور بالنتائج المتحققة على الأرض.
ولذلك فالمعضلة الرئيسية هى كيف يحافظ التيار الثالث على مواقفه من دون أن تكون نتائج جهوده تصب فى مصلحة الإخوان، أو السؤال بطريقة أخرى: إذا كان الشعب أو غالبيته قد عاقب الإخوان بقسوة فى 30 يونيو و26 يوليو، فهل تكون مهمة التيار الثالث أن يقوم بدور المنقذ الذى يقدم للاخوان طوق النجاة؟!.
السؤال قد يبدو صادما لكنها الحقيقة، فأهل الحكم الجدد يعتقدون أن كل من ينتقدهم الآن فهو يعمل لصالح الإخوان.
فى تقديرى أنه ينبغى على التيار الثالث التأكيد على انه ضد كل إجرام إخوانى بجانب معارضته لعودة الدولة البوليسية.
سيقول أنصار التيار الثالث انهم يؤكدون على هذه المعانى ليل نهار وبالتالى فالسؤال مرة ثانية: هل تكفى النوايا الطيبة فقط؟.
المعضلة التى يراها أنصار 30 يونيو هى أن كل التيار الثالث الذى يقول إنه يعارض العسكر والإخوان معا لا يملك قوة جماهيرية على الأرض، وبالتالى فهو عندما تتقاطع مصالحه مع الإخوان ويقوم بالتشنيع على المؤسسة العسكرية فإن ذلك يصب فقط فى جيب الإخوان ولا أحد غيرهم.
هذا التيار الثالث هو نفسه الذى لعب الدور الأبرز فى محاولة تكسير المجلس الأعلى للقوات المسلحة منذ 11 فبراير 2011 وحتى تنصيب مرسى فى أول يوليو 2012، والذى استفاد فقط من هذه المعركة كان بالمصادفة هم الإخوان أيضا.
المعادلة صارت سهلة، الإخوان عندما يكونون فى مركز قوة ينسون الجميع، وعندما يفقدون قوتهم يتمسكنون ويتحدثون لغة مدنية مهذبة مع الغرب فى الخارج ومع الليبراليين فى الداخل، وهكذا يتكرر السيناريو مرات ومرات!.
هل معنى ذلك أن يتوقف بعض أعضاء التيار الثالث عن انتهاك حقوق الإنسان، لأن المستفيد منها سيكون الإخوان؟!.
بالطبع لا، لكن هناك طريقة عملية يمكن أن تريح الجميع وخلاصتها أن ندافع عن مدنية الدولة طوال الوقت، مع بذل جهد أكبر فى التعديلات الدستورية يكون جوهرها تقييد وحظر أى حزب على أساس دينى أو عرقى، وكذلك حل أى جمعية خيرية أو دعوية تعمل بالسياسة ولا نعرف تمويلها وامتداداتها الخارجية.
قضيتنا الجوهرية هى إنشاء نظام سياسى مدنى وديمقراطى أولا، وأن تكون هناك قوى مدنية على الأرض ثانيا.
فى غياب هذين العاملين فإنه كلما تم طرد المتطرفين من الباب فسوف يعودون من الشباك.
السؤال مرة أخيرة للمثاليين: كيف تحاربون عودة الدولة البوليسية دون أن يكون المستفيد الوحيد من هذه الحرب هم الإخوان؟!.