قاع البحار ساحة جديدة للتنافس الجيوسياسى العالمى - العالم يفكر - بوابة الشروق
الإثنين 16 سبتمبر 2024 11:49 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قاع البحار ساحة جديدة للتنافس الجيوسياسى العالمى

نشر فى : الخميس 5 سبتمبر 2024 - 7:15 م | آخر تحديث : الخميس 5 سبتمبر 2024 - 7:15 م

 

انتقل التنافس الجيوسياسى والجيواقتصادى العالمى من كونه صراعًا على الموارد التقليدية كالنفط والغاز الطبيعى، إلى التنافس على أبعاد جديدة كالمعادن النادرة، والموانئ، وتكنولوجيا الفضاء المدنية والعسكرية، وأخيرًا، ظهرت الرواسب المعدنية فى قاع البحار كمسرح جديد للتنافس بين القوى الدولية المختلفة، نظرًا لأهميتها فى صناعات البناء، والإلكترونيات، والسيارات الكهربائية، ومعدات الطاقة المتجددة، والبطاريات، والمعدات والأسلحة العسكرية.
وفى هذا السياق، يتناول المقال استعراضًا لخريطة استكشاف الرواسب المعدنية فى قاع البحار، وأبرز مظاهر التنافس الدولى على المعادن البحرية وخاصة بين أكبر اقتصادين فى العالم، مع تحليل دوافع التنافس والهيمنة على الرواسب المعدنية، وأبرز التحديات الناتجة عنه.
يحتوى قاع البحار على ثلاثة أنواع رئيسية من الرواسب المعدنية، قشور المنجنيز الحديدى الغنية بالكوبالت، والكبريتيدات متعددة الفلزات، والعقيدات متعددة المعادن، والتى تحتوى على الكوبالت والمنجنيز والنحاس والنيكل، والتيلوريوم، والإيتريوم.
ويخضع استكشاف وتعدين المعادن البحرية للسلطة الدولية لقاع البحار (International Seabed Authority) فى إطار اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار التى تم توقيعها عام 1982، ودخلت حيز النفاذ عام 1994، لترتكز على توفير إطار قانونى متكامل لآلية الانتفاع بمياه البحار والمحيطات فى العالم، وتضمن الحفاظ على الموارد البيئية والبحرية وكذلك الانتفاع العادل بتلك الموارد، كما تعالج المسائل المتعلقة بسيادة الدول على البحار والمحيطات وحق الانتفاع فى المناطق البحرية والحقوق المتعلقة بالملاحة.
• • •
فى ظل تصاعد الأزمات الاقتصادية العالمية التى تلقى بظلالها على كافة الدول حول العالم وتزيد من ضبابية وعدم يقين المشهد الاقتصادى، تشهد الساحة الدولية بما يُعرف بـ«حرب الموارد»، التى لا تقتصر على موارد الطاقة التقليدية، أو المعادن الأرضية النادرة فحسب، بل تشمل أيضًا المعادن والرواسب المعدنية فى أعماق البحار، وتتجلى مظاهر التنافس الدولى فى النقاط الآتية:
نهم صينى: جعلت الحكومة الصينية هدف «التعدين فى أعماق البحار» أولوية أمنية واقتصادية كجزء من خطتها واسعة النطاق للهيمنة على سلاسل توريد المعادن بكل أنواعها، حيث حفزت المنظمات والشركات المملوكة للدولة على تطوير أساليب استخراج جديدة من قاع البحار، والاستثمار بكثافة فى الغواصات غير المأهولة من أجل رسم خريطة الرواسب الأرضية المعدنية والنادرة بأعماق البحار، كما أطلقت سفنًا وغواصات متطورة فى المياه القريب كبحر الصين الجنوبى، إلى جانب تشييد العديد من الجامعات ومراكز الأبحاث المنوطة بهذا الشأن كجامعة داليان البحرية، وجامعة المحيط الصينية، ومعهد علوم وهندسة أعماق البحار بالأكاديمية الصينية للعلوم.
طموح أمريكى: تدرك الولايات المتحدة المخاطر الأمنية المصاحبة لهيمنة الصين على تعدين الموارد البحرية، ولهذا قامت الإدارة الوطنية لدراسة المحيطات والغلاف الجوى التابعة لوزارة التجارة الأمريكية بإصدار استراتيجية «NOMEC» فى يونيو 2020 لتنسيق أنشطة رسم الخرائط والاستكشاف، وتحدد الاستراتيجية مجموعة طموحة من الأهداف لرسم خريطة كاملة لقاع البحر داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة للولايات المتحدة واستكشاف وتوصيف المناطق ذات الأولوية داخل المحيط.
التنافس على جزر المحيط الهادى: لا يُمكن فصل جزر المحيط الهادئ عن المشهد التنافسى المهيمن على موارد قاع البحار، حيث تتنافس القوى العظمى على بسط نفوذها على تلك الجزر فى محاولة لتسهيل الحصول على المعادن والرواسب البحرية. وفى هذا الشأن، تسعى الصين لزيادة بصمتها فى تلك المنطقة لتأمين مصالحها الدبلوماسية والاستراتيجية، وتقليص المساحة الدولية لتايوان، والحصول على إمكانية الوصول إلى المواد الخام والموارد الطبيعية، وذلك من خلال زيادة مشروعات البنية الأساسية تحت إطار مبادرة الحزام والطريق، وعقد اتفاقيات أمنية واقتصادية، وزيادة المساعدات الاقتصادية والتنموية، واتباع دبلوماسية الزيارات كزيارة رئيسى وزراء فانواتو، وجزر سليمان إلى الصين فى يوليو 2024.
إلى جانب ذلك، أطلقت الإدارة الأمريكية تحت رئاسة "جو بايدن" فى سبتمبر 2022 أول استراتيجية للشراكة الأمريكية مع جزر المحيط الهادى وذلك خلال قمة أمريكية دعت فيها البلاد اثنى عشر من قادة الجزر وتعهدت خلالها بإنشاء صندوق مساعدات جديد بقيمة 810 ملايين دولار لجزر المنطقة. كما تعهدت واشنطن بتعزيز حضورها الدبلوماسى فى المنطقة، من خلال تعيين مبعوث للمحيط الهادى لأول مرة؛ للمشاركة فى منتدى جزر المحيط الهادى، كما قررت تمويل مبادرة كابل إنترنت تحت البحر لدول المنطقة بالتعاون مع أستراليا.
دعوات مضادة: تتزامن الخطوات الدولية الهادفة للتنقيب عن المعادن البحرية مع صعود دعوات تُنادى بتعليق أو حظر التعدين التجارى فى أعماق البحار، بسبب المخاطر البيئية الناجمة عن تلك العلمية، وتأتى ألمانيا وفرنسا وإسبانيا ونيوزيلندا وكوستاريكا وتشيلى وبنما وبالاو وفيجى وولايات ميكرونيزيا الموحدة على رأس الدول المعارضة للنشاط الدولى للتعدين البحرى.
• • •
يُعود التنافس الدولى الشرس على التعدين البحرى والسيطرة على المعادن والرواسب البحرية إلى عدد من الدوافع الكامنة جميعها فى تزايد أهمية المعادن النادرة فى العديد من القطاعات الاقتصادية خلال الفترات الأخيرة، وهو ما يتبين من النقاط الآتية:
السباق الدولى نحو تحول الطاقة: ساعد التركز الجغرافى لاحتياطيات النفط والغاز الطبيعى بعض الدول على حماية مصالحها الوطنية وتعظيم نفوذها الاقتصادى والسياسى، حيث استمدت قوتها كلاعب فاعل فى النظام الدولى عبر التحكم فى صادرات الطاقة ونطاقها السعرى واستخدامها كسلاح جيوسياسى، وبالمثل، يُمكن أن يتكرر المشهد من جديد مع الدول الساعية للسيطرة على سلاسل توريد المعادن النادرة، التى تُعد عنصرًا محوريًا فى توليد الطاقة المتجددة.
احتدام المنافسة حول تصنيع السيارات الكهربائية: إن الصراع على المعادن ليس هدفًا فى حد ذاته وإنما وسيلة لتحقيق غاية، فعلى سبيل المثال تُعد المعادن عمودًا فقريًا فى صناعة البطاريات والسيارات الكهربائية التى يتطلب إنتاجها استخدام معادن بكمية أكبر بنحو ستة أضعاف من نظيرتها التى تعمل بالوقود الأحفورى، ونظرًا للتوقعات التى تشير إلى ارتفاع مبيعات السيارات الكهربائية خلال السنوات المقبلة، فمن المُرجح أن تزداد المنافسة على المعادن الموجودة فى قاع البحر كونها تساعد فى تلبية احتياجات تلك الصناعة.
تحقيق أغراض عسكرية: لا يُمكن إغفال العلاقة الترابطية بين المعادن والأمن القومى، حيث يُمكن استخدامها لتصنيع المعدات والأسلحة العسكرية، وتصنيع المركبات والطائرات، والغواصات، كما يُمكن استغلالها لبناء المعدات الخاصة بمهام الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، ولهذا، فمن الممكن أن تساعد الإمدادات المعدنية فى دعم القوة العسكرية.
• • •
رغم الفوائد الاقتصادية المرتبطة بالتعدين البحرى، فإنه ينطوى على عدد من التحديات والمخاطر البيئية والاقتصادية والمالية، التى يُمكن استعراضها تاليًا:
الإضرار بالنظم البيئية البحرية: ينطوى التعدين البحرى على مخاطر جمة نتيجة لتصاعد الرواسب المليئة بالغازات السامة المرتبطة بعملية التعدين، ما قد يزيد احتمالية الإضرار بالتنوع البيولوجى وتلويث سلاسل الغذاء البحرية، واستنزاف أعداد الأسماك والثدييات البحرية، علاوة على فقدان الشعاب المرجانية التى تدعم أكثر من 25% من التنوع البيولوجى البحرى، وتستضيف أكثر من 1300 نوع مختلف من الحيوانات البحرية.
تعطيل جهود مكافحة التغيرات المناخية: يُسهم التعدين البحرى فى تفاقم حدة ظاهرة التغيرات المناخية كون صناعة التعدين صناعة كثيفة الطاقة ينتج عنها زيادة كبيرة فى الانبعاثات الحرارية.
إلى جانب ذلك، تسفر عملية التعدين البحرى عن الإضرار بعملية احتجاز وعزل الكربون فى قاع المحيطات، حيث تساعد المحيطات فى امتصاص 30% من ثانى أكسيد الكربون، و90% من الحرارة الإضافية المرتبطة بارتفاع انبعاثات الغازات الدفيئة الناجمة عن الأنشطة البشرية فى العقود الأخيرة، كما يُمكن للأعشاب البحرية وأشجار المانجروف عزل ثانى أكسيد الكربون من الغلاف الجوى بمعدلات تصل إلى أربعة أضعاف مقارنة بالغابات البرية، لذا فإن عمليات التعدين تهدد بإطلاق الكربون مرة أخرى فى المحيط والغلاف الجوى.
• • •
حاصل ما سبق أن هناك ارتباطًا واضحًا بين معضلة علم الاقتصاد التاريخية التى تُعرف بـ«ندرة الموارد»، أو عدم كفاية الموارد المتاحة لتلبية الاحتياجات المتزايدة باضطراد، وبين التنافس الجيوسياسى المحتدم بين القوى العظمى فيما يتعلق بتأمين المعادن النادرة من قاع البحار، والحفاظ على سلاسل الإمداد والتوريد اللازمة لصناعة الطاقة المتجددة، والصناعات العسكرية والإلكترونية التى تزداد أهميتها عامًا تلو الآخر، ولهذا، تسعى الدول لتأمين حصة فى سوق المعادن من أجل الحفاظ على بصمتها فى النظام الاقتصادى العالمى، لكن من ناحية أخرى، تتصاعد التحديات البيئية والاقتصادية المرتبطة بصناعة التعدين البحرى، الأمر الذى يستلزم إجراء دراسات وافية لحساب التكلفة والعائد ووضع حلول وسياسات مقترحة لمواجهة المخاطر البيئية الناتجة عن التعدين البحرى.


بسنت جمال
المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية
النص الأصلى
https://rb.gy/w8692b

 

التعليقات