نتناول هنا من جديد مخرجات ورش العمل التى عقدت بمركز العقد الاجتماعى حول مسودة الدستور المطروحة حالياً من اللجنة التأسيسية. ويختص هذا المقال بعرض المقترحات التى تمس المجموعة الأولى من الحقوق المدنية والسياسية للمصريين والمصريات بعد ثورة ٢٥ يناير. كعادتنا، سنذكر هنا فقط المواد التى رأى المجتمعون أن جوانب القصور فيها تهدد أصل الحق أو الحرية التى تتناولها كل مادة. ونركز فى الملاحظات على الإضافات أو التحفظات دون تكرار الأجزاء التى توافق فيها الحاضرون مع النص الدستودى المطروح.
●●●
المادة ٢٩ عن الحق فى الجنسية المصرية: لا خلاف مع النص الدستورى المقترح حول كون الجنسية المصرية حق لكل مواطن. ولكن يجب أن ينص الدستور صراحة على أن هذا الحق مضمون فى الحالات الثلاث: المولود من أب مصرى أو من أم مصرية أو كلاهما. فالحديث عن مساواة المرأة بالرجل فى مصر بعد الثورة لا يكتمل دون المساواة فى اكتساب الأطفال للجنسية سواءً عن طريق الأب أو الأم. كما يجب أن يحظر الدستور صراحة إسقاط الجنسية المصرية عن أى مصرى أو مصرية سوى فى حالات محددة صراحة على أن ينظم القانون منح الجنسية المصرية لغير المصريين.
المادة ٣٠ عن المساواة بين المواطنين: إن مساواة المواطنين فى الحقوق والحريات والواجبات العامة أمام القانون لا تقبل أية استثناءات على أساس الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون أو اللغة أو الدين أو العقيدة أو الرأى أو الوضع الاجتماعى أو الإعاقة، وهو ما ورد فعلاً فى المسودة المطروحة. ولكن ينقص المادة ٣٠ حالياً النص صراحة على تمتع المواطنات أيضاً بهذه المساواة. كما أنه لكى تكتمل المادة، يجب اضافة عدم جواز التمييز على أساس الثروة، وهو التمييز الذى كرسته السياسات الاقتصادية والاجتماعية للحكومات التى تعاقبت على مصر منذ السبعينيات. ونحتاج أن يلزم الدستور الدولة باتخاذ التدابير التشريعية والتنفيذية للقضاء على كافة أشكال التمييز وأن تتخطى الدولة مجرد الاعتراف بمبدأ تكافؤ الفرص لجميع المواطنين والمواطنات نحو الالتزام بإعمال هذا المبدأ ومحاربة التقاليد والأنماط الثقافية والاجتماعية التى ترسخ التمييز بكل أشكاله.
●●●
المادة ٣٢ عن القبض على المواطنين فى حالات التلبس: طالب الحاضرون أن يمتد الحظر الدستورى فى هذه المادة إلى تعقب المواطن دون أمر مسبب من القاضى المختص. كما تحتاج المادة إلى إضافة أن كل من يقبض عليه أو يحبس أو تقيد حريته يجب إبلاغ أسرته أو من يحدده بمكان احتجازه على الفور، كما يجب أن يُبلغ فور القبض عليه بحقوقه وأسباب القبض عليه وليس فى غضون اثنتى عشرة ساعة كما تنص المادة المطروحة حالياً. كذلك يجب أن يحظر الدستور القبض على من أخلى سبيله لذات السبب بعد الإفراج عنه.
المادة ٣٥ عن حرمة الحياة الخاصة: أيد الحضور نص المادة كما وردت فى المسودة الحالية. ولكن الإضافة التى اقترحوها تخص حظر تسجيل المراسلات الخاصة دون أمر مسبب من القاضى المختص. كما حذف المشاركون العبارة التى تفيد بإمكانية انتهاك حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وفقاً للنصوص القانونية التى قد تصدر لاحقاً لتنظيم هذا الحق.
المادة ٣٦ بخصوص حرمة المنازل: ليس القانون هو من ينظم حرمة منازل المواطنين مثلما ينص الدستور حالياً. وإنما اجتمع الحاضرون على أن حرمة المنازل لا تنتهك على الإطلاق إلا بأمر قضائى مسبب من القاضى المختص، على أن ينص هذا الأمر على مكان التفتيش (المنزل) والغرض منه وتوقيته وأن يكون دخول المنازل بعد استئذان من هم فيها. إلا أنه يجوز دخول المنازل دون أمر قضائى فى حالة وجود خطر على أن يكون هذا الخطر هو المعرّف بوضوح على أنه يهدد سلامة المكان أو حياة من هم فيه وفى حالات الاستغاثة فقط لا غير، وعلى أن يكون الدخول فى هذه الحالات دون تفتيش المنزل.
●●●
المادة 39 عن حرية العقيدة: توافق الحاضرون فى ورش العمل على صياغة بديلة تنص على أن الدولة تكفل حرية العقيدة على اطلاقها. كما تكفل الدولة ممارسة الشعائر الدينية «بما لا يخالف النظام العام»، وتلتزم الدولة بحماية دور العبادة. ونسجل أن هناك خلافاً هاماً حول ثلاث نقاط أساسية فى هذه المادة: الالتزام بـ«النظام العام»، ومسألة تحديد الأديان السماوية الثلاث بعينها، بالإضافة إلى الرجوع إلى القانون فى تنظيم بناء دور العبادة. ذلك أنه لا يوجد تعريف واحد لما هو مضمون هذا «النظام العام» الذى يختلف تعريفه من شخص لآخر بل ومن مدينة إلى أخرى فى داخل جمهورية مصر العربية ذاتها. كما أن المادة تعترف بالحق فى بناء دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية الثلاثة ولكن تبقى على إرث المشاكل من حيث أنها لا تحدد ما يجب أن يستند إليه المشرع فى تنظيم بناء دور العبادة لأصحاب الديانات السماوية. لذلك اقترح الحاضرون أن يتم وضع محددات واضحة فى الدستور ليستدل بها المشرع فى وضع القانون الخاص بتنظيم بناء دور العبادة. ومن هذه المحددات مثلاً أن يكون بناء دور العبادة وفقاً للمخططات العمرانية والسكانية لكل حى. كما اختفت من المادة أية اشارة إلى حرية ممارسة الشعائر الدينية. وذلك على الرغم من أن حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية حقوق دستورية ثابته فى دستور 1971 (مادة 46) وثابته بموجب المادة 18 من الاعلان العالمى لحقوق الإنسان الذى شاركت مصر فى صياغته وصادقت عليه، ولا يمكن حرمان أى إنسان متواجد على أرض مصر من ممارسة شعائر دينه فى المجال الخاص به داخل المنزل أو غرفة الفندق على سبيل المثال.
المادة 43 عن حق الحصول على المعلومات وتداولها: اتفق الحاضرون على ضرورة أن يكون النص صريحاً فى التزام الدولة بإتاحة المعلومات والبيانات والإحصاءات أيا كان مصدرها ومكانها للكافة. كما أن الدولة هى من تلتزم بتمكين مواطنيها من الحصول على المعلومات دون معوقات إدارية أو مالية وبما لا ينتهك حرمة الحياة الخاصة. وأضاف الحاضرون نصا يلزم المؤسسات الرسمية للدولة بإيداع وثائقها فى هيئة دار الوثائق القومية على أن ينظم القانون طرائق الاطلاع عليها فى مواعيد محددة. وحدث توافق عام على عدم تجاوز مدة حظر النشر خمسين عاما فى الحالات التى تتعارض مع الأمن القومى أو تنتهك الحياة الخاصة.
●●●
المادة 44 عن حرية الاعلام: لا يمكن أن يتصور بناء نظام ديمقراطى فى مصر دون أن يضمن الدستور حرية الصحافة والطباعة والنشر وسائر وسائل الإعلام، ودون أن تكون الرقابة عليها أو إنذارها أو وقفها أو مصادرتها من المحظورات. ويجوز استثناء فى زمن الحرب أو سريان حالة الطوارئ أن يفرض وسائل الاعلام رقابة محددة على أن تكون هذه الرقابة فى اضيق الحدود بغرض الحفاظ على أمن وسلامة المواطنين واستقلال الوطن ووحدة أراضيه، وهى المحددات التى لم يتم النص عليها فى المسودة الحالية.
المادة 45 عن حرية اصدار الصحف: إن حرية التعبير لن تكتمل دون أن تكفل الدولة حرية إصدار الصحف بجميع أنواعها، ودون أن تضمن تملكها للأشخاص الطبيعية والاعتبارية بمجرد الإخطار. كما على الدولة أن تكفل حق إنشاء محطات البث الإذاعى والتليفزيونى وأن يكتفى بالنص القانونى فى تحديد شروط الترخيص بما لا يقيد مطلقاً حرية هذه المحطات واستقلاليتها.