ماذا لو كانت التسريبات لرسائل دبلوماسية صينية؟ - توماس فريدمان - بوابة الشروق
الأربعاء 5 فبراير 2025 3:58 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

ماذا لو كانت التسريبات لرسائل دبلوماسية صينية؟

نشر فى : الأحد 5 ديسمبر 2010 - 11:11 ص | آخر تحديث : الأحد 5 ديسمبر 2010 - 11:11 ص

بينما كانت الأسرار المقبلة من ويكيليكس تتناثر عبر الصحف الأمريكية، لم أستطع أن أمنع نفسى من التساؤل: ماذا لو كان للصين موقع ويكيليكس الخاص بها وكان بإمكاننا الاطلاع على ما ترسله سفارتها فى واشنطن عن أمريكا؟ أظن أن البرقية ستكون على النحو التالى

من سفارة جمهورية الصين الشعبية بواشنطن، إلى وزارة الخارجية ببكين، سرى للغاية.
الموضوع: أمريكا اليوم

الأمور تسير هنا على ما يرام بالنسبة للصين. لا تزال أمريكا بلدًا مستقطبًا سياسيا بصورة كبيرة، ومن المؤكد أن هذا يسهم فى تحقيق هدفنا بالتفوق على الولايات المتحدة بوصفها أكبر بلد وأقوى اقتصاد فى العالم. لكننا متفائلون بصفة خاصة لأن الأمريكيين مستقطبون حول أشياء خاطئة.
هناك تدمير للذات متعمد فى الأجواء كما لو كانت أمريكا تحشد كل وقت ومال العالم من أجل الصغائر السياسية. إنهم يختلفون بشدة حول أشياء مثل طريقة تفتيش ضابط أمن المطار لهم ومناطق أجسامهم المسموح له بلمسها. وهم مختلفون ويسعدنا أن نخبركم بهذا حول آخر المعاهدات الموقعة مع روسيا لخفض التسليح النووى. ويبدو كما لو أن الجمهوريين حريصون على إضعاف الرئيس أوباما لدرجة أنهم يعتزمون رفض معاهدة من شأنها تعزيز التعاون بين الولايات المتحدة وروسيا فى قضايا مثل إيران.

وحيث إن كل ما من شأنه تحقيق التقارب بين روسيا وأمريكا ستكون نتيجته عزلتنا، فنحن نتوجه بالشكر للسناتور جون كيل نائب أريزونا لتفضيله مصالحنا على مصالح أمريكا وإعاقة التصديق على المعاهدة فى مجلس الشيوخ. وقد دعا السفير السناتور كيل وزوجته إلى العشاء بمطعم السيد كاو الصينى تقديرا لصموده فى سبيل حماية المصالح الأمريكية (والقراءة الصحيحة: مصالحنا

وقد انتهى الأمريكيون للتو مما يسمونه «انتخابات». وخير ما توصف به أنها كانت عبارة عن عضو بالكونجرس يحاول جمع أموال أكثر من الآخر (وكلها من شركات يفترض أنهم هم الذين ينظمون عملها) بحيث يمكنه سرد أكاذيب أكبر على التلفزيون، فى الغالب الأعم عن الشخص الآخر قبل أن يتمكن هذا الآخر من عمل نفس الشىء معه. وهذا يريحنا. إنه يعنى أن أمريكا لن تبذل جهودا جادة لحل مشاكلها البنيوية: عجز متضخم، وأداء تعليمى متدهور، وبنية أساسية متهالكة، وتضاؤل هجرة المواهب الجديدة.

وقد استقل السفير مؤخرا ما يطلق عليه الأمريكيون القطار السريع ـــ قطار أسيلا ـــ من واشنطن إلى نيويورك سيتى. ويمكن لقطارنا الرصاصة الذى يعمل بين بكين وتيانجين قطع هذه المسافة فى 90 دقيقة. أما رحلة السفير فقد استغرقت ثلاث ساعات ووصل القطار فى موعده بالضبط! وأثناء الطريق كان السفير يستعمل هاتفه المحمول للاتصال بمكتبه بالسفارة، وقد فشل فى إتمام 12 مكالمة حاول إجراءها خلال ساعة واحدة ومرة أخرى، هذا لا تجده عندنا. وهناك مزحة نرددها فى السفارة تقول: «عندما يحدثك أحد من الصين اليوم، يبدو وكأنه يحدثك من الشقة المجاورة. وعندما يحدثك أحدهم من الشقة المجاورة فى أمريكا، يبدو وكأنه يحدثك من الصين!». وعادة ما يشير زملاؤنا الذين يعملون فى سفارة الصين بزامبيا إلى أن خدمة الهواتف المحمولة فى أفريقيا أفضل منها فى أمريكا.

لكن الأمريكيين غافلون. فهم نادرا ما يسافرون إلى الخارج ليروا مدى التخلف الذى أصبحوا عليه. وهو ما يفسر لماذا نضحك فى السفارة من اختلاف الأمريكيين حول مدى «استثنائيتهم». وهذا، مرة أخرى، لا تجده عندنا. وعلى صفحتها الرئيسية، نشرت واشنطن بوست فى عدد الاثنين مقالا يشير إلى أن سارة بالين ومايك هكابى يستنكران إنكار اوباما لـ«الاستثنائية الأمريكية». وقد استبدل الأمريكيون السعى لأن يكونوا استثنائيين بالحديث عن أنهم مازالوا استثنائيين. ولا يبدو أنهم يفهمون أنك لا يمكنك إعلان نفسك «استثنائيا»، بل الآخرون وحدهم هم الذين يمكنهم إضفاء هذه الصفة عليك.

وفى مجال السياسة الخارجية، لا نرى فى الأفق أى فرصة أمام أوباما لسحب القوات الأمريكية من أفغانستان. فهو يعلم أن الجمهوريين سيعتبرونه شخصا ضعيفا إن هو أقدم على هذا، لذا سيظل الأمريكيون ينزفون 190 مليون دولار يوميا. من هنا، لن يتوافر لأمريكا الوسائل العسكرية اللازمة لمواجهتنا فى أى مكان آخر، خاصة فى كوريا، حيث يواصل أصدقاؤنا الطائشون إزعاج أمريكا كل ستة أشهر ويضطر الأمريكيون إلى المجىء إلينا متوسلين من أجل تهدئة الأمور. وإذا خرجوا من أفغانستان، فمن المؤكد أن الأفغان سيكرهونهم كثيرا بحيث يمكن لشركات التعدين الصينية التى تعمل هناك بالفعل الاستحواذ على باقى ثروات أفغانستان المعدنية النادرة.

ومعظم الجمهوريين الذين انتخبوا للتو لا يصدقون ما يقوله لهم العلماء من أن التغير المناخى من صنع الإنسان. فمعظم رجال السياسة الأمريكيين من المحامين وليسوا من المهندسين أو العلماء كساستنا لذا فهم يكتفون بتشويه العلم دون أن يراجعهم أحد. وهذا حسن. وهو يعنى أنهم لن يؤيدوا أى قانون يشجع على ابتكار أشكال من الطاقة النظيفة، وهى مسألة أساسية بالنسبة لخطتنا الخمسية القادمة. وهذا يضمن ألا تعوق أمريكا جهودنا من أجل السيطرة على صناعات السيارات التى تعمل بقوة الريح والشمس والكهرباء.

وأخيرا، هناك أعداد غير مسبوقة من الطلبة الأمريكيين فى المدارس الثانوية يدرسون اللغة الصينية، وهو ما يضمن لنا إمدادا مطردا من الأيدى العاملة الرخيصة التى تتحدث لغتنا، ونحن نستخدم احتياطات تقدر بـ2.3 تريليون دولار لشراء المصانع الأمريكية الواحد وراء الآخر. باختصار، الأمور تسير على ما يرام بالنسبة للصين فى أمريكا.

ونشكر الله على أن الأمريكيين لا يمكنهم الاطلاع على برقياتنا الدبلوماسية.

سفارة واشنطن

 

توماس فريدمان  صحفي أمريكي مهتم بشئون الشرق الأوسط
التعليقات