تناقلت مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة الأسبوع الماضى، قصة سرت كالنار فى الهشيم. طبيب لأمراض القلب كان يجرى قسطرة تداخلية لمريض داخل حجرة القسطرة بينهما أهله خارجها ينتظرون فى لهفة النتائج. وفجأة تفتح الأبواب ليخرج الطبيب وهو مازال فى ملابس العمليات المعقمة والدم يقطر من أصابعه «أى والله هى نفس الألفاظ بذاتها» ليصرخ متعجلا فى أهل المريض «عاوز عشرة آلاف جنيه زيادة عن الاتفاق وإلا لن أكمل العملية!!» القصة نشرت على لسان أخو المريض الذى أضاف أن الطبيب لم يمهلهم أن يتدبروا أمرهم أو يفهموا لماذا تغير سعر «المقاولة» دون سابق إنذار.
وقائع القصة انتهت إلى هذا الحد ولم تكن هناك أى إشارة لما آلت إليه الأمور أو انتهى إليه الفصال الدائر على حياة المريض بين الطبيب «الجزار» وأهل المريض المسكين.
هل قبل الطبيب خمسة بدلا من العشرة؟ هل وقف أهل المريض على باب المستشفى يتسولون حياته؟ هل انتقل المريض لرحمة الله شاكيا ظلم الدنيا والمرض والأطباء؟
تملكنى الغضب وفاضت المرارة بنفسى فبدأت أبحث وراء القصة فى كل المواقع لأقف على حقيقة الأمر. من منا يجرؤ على تلك الفعلة المشينة؟ أى مستشفى عام أو خاص يسمح بذلك الفعل اللإنسانى الذى لا يقدم عليه إلى «داعش» بمسميات هذا الزمان الردىء؟
الواقع عزيزى القارئ، أن صفحات التواصل الاجتماعى لم تمهلنى كثيرا فنشرت صورة أخرى لوقائع الحدث بعد ثمانية وأربعين ساعة فقط. الحادثة جرت فى مستشفى حكومى تابع لوزارة الصحة. دخل الطبيب ليجرى قسطرة لمريض بتصلب شرايين القلب وتثبيت دعامة تتيح لعضلة القلب تيارا من الدم السارى تعاونها على أداء عملها بكفاءة أكبر. اكتشف أن المريض بحاجة إلى دعامة أخرى من نوع آخر «دوائية» غير متوافرة فخرج بالفعل والدم ملوثا لأصابعه وهذا أمر عادى، ليخبر أهل المريض بحقيقة الأمر ويسألهم إذا ما كان فى مقدورهم شراء الدعامة الدوائية «غالبا ما يكون ممثل الشركة التى تستوردها موجود فى المكان».
فلما اكتشف الطبيب عدم قدرهم على شرائها عاد إلى فريق العمل ليجمع ثمنها منهم وخرج المريض معافا.
إذا كنت قد تابعت وقائع تلك الواقعة على شبكات التواصل الاجتماعى، فقد قدر لى أن أعيش وقائع قصة أخرى تشبهها فى معهد القلب القومى. تنقلت المواقع أخبارا عن إضراب مرضى معهد القلب عن الطعام، لأنهم بعد أن تهيئوا لإجراء قساطر وتركيب دعامات تأجل موعدها!
وبالفعل نشرت صور للمرضى على أسرتهم. حينما انتقل عميد المعهد إلى موقع الأحداث الجسام مسرعا وجدت فى انتظاره ابن أحد المرضى الذى قدم نفسه بصلف: نائب مساعد مدير تحرير جريدة الجمهورية وقدم لنا كارتا يؤكد المنصب وإن كان يفتقد أى إشارة بكونه عضوا عاملا بجدول نقابة الصحفيين، وإن كانت قد تداخلت فيه كل ألوان الطيف.
والد السيد الصحفى كان بالفعل مزمعا إجراء قسطرة له لتركيب دعامة دوائية لم يرسلها التأمين الصحى فى موعدها المحدد فاعتذر الطبيب للمريض الباقى فى معهد القلب لصباح اليوم التالى. لم يعجب الأمر صاpf السلطة الرابعة فأشهر سلاح التهديد!!
لا أدافع أبدا إلا عن حق المريض فى العلاج وأمله فى الشفاء. لكنى أترك كلماتى بين أيديكم وأنتظر التعليقات: منك عزيزى القارئ. من نقيب الصحفيين والسيد وزير الصحة.