أرجو أن ننتبه نحن ــ المصريين ــ للنموذج الباكستانى فى الديون، حتى لا يتكرر عندنا لا قدر الله.
ومن المهم أن نقرأ جميعا بعناية كيف وصلت باكستان إلى هذه الحالة، حتى نتعظ.
العالم صار متداخلا ومتعولما جدا، وبالتالى فليس عيبا أن نستفيد من تجارب الآخرين الإيجابية، ولا نكرر جوانبها السلبية.
البيانات عن الاقتصاد الباكستانى تقول إن نسبة الدين إلى الناتج المحلى الإجمالى تزيد على ٨٠٪، وهى تحتل المرتبة الثانية بعد بنجلاديش من حيث نسبة الفائدة على الإيرادات.
وزارة المالية الباكستانية أبلغت مجلس الشيوخ مؤخرا أن ديون البلاد ارتفعت إلى ٢٣٣ مليار دولار فى أغسطس الماضى وأن الدين الداخلى ارتفع إلى ١٤٨ مليار دولار ودفعت الحكومة ٤.٢٤ مليار دولار فوائد على هذه القروض، وأن مدفوعات الديون الخارجية ستبلغ ١٤ مليار دولار نهاية السنة المالية الحالية.
كل ما سبق قد يبدو أمرا عاديا تكرر فى العديد من البلدان مثل الأرجنتين ولبنان واليونان لكن الجديد فى الحالة الباكستانية هو «العامل الصينى».
الصين كانت كريمة جدا مع باكستان فى البداية، وقدمت لها العديد من التسهيلات فى القروض، لكن مع تزايد الديون، وعجز الجانب الباكستانى عن السداد المنظم، بدأت الاستثمارات الصينية تتباطأ، خصوصا بعد تراجع احتياطى النقد الأجنبى فى البنك المركزى الباكستانى إلى أقل من ١٧ مليار دولار، وتعرض الاحتياطات الحكومية لضغوط من أجل سداد القروض متعددة الأطراف قيمتها ٢.٦ مليار دولار، وقروض الحكومة الصينية والبنوك التجارية وتبلغ ٩.١ مليار دولار، واسترداد سندات اليوروبوند، وتبلغ مليار دولار، وصندوق النقد الدولى وتبلغ مليار دولار ومستحقة فى يونية المقبل، كما تدين باكستان بمبلغ ١١.٣ مليار دولار لنادى باريس، و٣.٣١ مليار لمانحين متعددى الأطراف، و١٢ مليار دولار لسندات دولية.
ولأن الوضع صار خطرا فقد حاولت الحكومة تدارك الأزمة فجمعت ٥ مليارات دولار من سندات اليوروبوند، وحصلت على تعهد من الحكومة السعودية بإيداع ٤.٥ مليار دولار فى البنك المركزى على دفعات مؤجلة تتضمن شحنات نفط.
لكن فى تقدير خبراء يتابعون الوضع الباكستانى فإن كل الإجراءات السابقة قد لا تكون كافية، لوقف انخفاض قيمة العملة الباكستانية «الروبية»، التى وصلت إلى أدنى مستوياتها مقابل الدولار.
مثلا صندوق النقد الدولى علّق على قدرة باكستان على تحمل الدين العام بقوله إن حدوث انزلاق كبير يلوح فى الأفق فى حين أن معهد إصلاح السياسات يقول إن الاقتراض يخلق المزيد من الاقتراض.
نعود مرة أخرى إلى العامل الصينى حيث خفضت بكين من وتيرة استثماراتها بسبب الصعوبات التى تواجهها الشركات الصينية فى التوصل إلى تسويات مالية مع الحكومة الباكستانية، والمشروعات القائمة توقف العمل فيها أو صار بطيئا، والنتيجة أن حكومة بكين طلبت من بعض شركاتها العاملة فى مشاريع البنية التحتية والطاقة التوقف علما أن حجم مشروعاتها ١٣ مليار دولار.
والنتيجة هى توقف بناء مسار للسكة الحديد بطول ١٧٣٣ كيلومترا، ويربط ميناء باكستان البحرى بشمال غرب البلاد، إضافة إلى ستة مشروعات للطاقة.
هل وصلنا إلى النقطة الأكثر خطورة فى الموضوع؟
نعم، موقع «أخبار الآن» أشار فى تقرير نشره مساء الجمعة الماضى إلى احتمال أن تطلب الصين من باكستان أن تدير ميناء جوادر كما فعلت مع سريلانكا فى عام ٢٠١٧، من أجل عقد إيجار ٩٩ سنة مقابل سداد الديون.
بالطبع المسئولون الباكستانيون يقولون إن اقتصادهم ما يزال قويا، وقدرته على الصمود كبيرة، لكن رأى العديد من مؤسسات التمويل الدولية مختلف تماما.
هذا ما يحدث فى باكستان وبالطبع يرى بعض المسئولين الحكوميين فى أكثر من بلد أن الاقتراض أمر مهم لعملية التنمية، وإذا كان ذلك صحيحا فهناك العديد من المحاذير مثل مدى ضرورية القروض والقدرة على سداده، وفترة السماح ونسبة الفائدة.
أعرف أن هناك تشديدا كثيرا على أى عملية اقتراض فى مصر، وأعرف أن هناك لجنة وزارية متخصصة للموافقة على أى قرض بعد دراسة متعمقة، وقد استمعت إلى تفاصيلها قبل شهور من الدكتورة رانيا المشاط وزيرة التعاون الدولى.
ورغم كل ذلك علينا أن نكون أكثر حرصا وتشددا وألا نقترض إلا للضرورة القصوى جدا جدا جدا.