العم جورج - أحمد الصاوى - بوابة الشروق
الجمعة 11 أبريل 2025 10:44 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

العم جورج

نشر فى : الأحد 6 يناير 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 6 يناير 2013 - 8:00 ص

كان الرجل لا يمل من إلقاء الصباحات والمساءات والسلامات، يدخل فيقول «سلامو عليكم»، أقول له: يا عم «جورج» قل صباح الخير، فيرد: «صباح الفل»، ثم يأتى فى يوم تال ليقول: «صباح الخير».. فأرد عليه: «وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته» فيقع فى ضحك مجلجل.

 

تمر الأعياد فلا نلتفت، لا نعرف عنها شيئا إلا عندما نلاحظ غيابه، أو يسأل عنه زميل يفتقد صباحه، ويعرف أنه فى إجازة عيد، لكننا جميعا كنا نعرف أن العم جورج بـ«يعيد» عندما يأتى فى اليوم التالى لانتهاء إجازته ويوزع الكعك على الجميع، فنأكل وربما ننسى أن نقول له: «كل سنة وانت طيب»، أو يقولها أحدنا بسينمائية أحمد مظهر: «هل هنأتم أخاكم جورج بعيد الميلاد».

 

كان العم جورج مثل أبى وأبيك، مثل ملايين ينتشرون فى مناكب الأرض بحثا عن رزق شريف، قد يطاوعه ويأتيه فيشكر ويقول لك: «نحمد ربنا»، وقد يعانده فيصبر، وينتظر، ويحاول بجلد حتى يأتى فيشكر الله مجددا على نعمة الصبر وفضل الرزق.

 

كان العم جورج مؤمنا وودودا، من أولئك الذين أثنى القرآن الكريم على مودتهم وقال فيهم: «وأنهم لا يستكبرون»، لذلك حين أعرف أن هناك من يحرم تهنئة المسيحيين بأعيادهم، أسأل: وهل يعرف أصحاب الفتاوى هؤلاء العم جورج، هل صافحوه مرة وهو يلقى سلاما ودودا، أو يدعو دعاء صادقا؟

 

كيف تأثم وأنت تهنئه بالعيد، أو تعوده فى المرض، أو تستمع إليه فى المحنة، وهو زميلك الذى يشاركك العمل، يأتيك يوما ويذكرك بعزاء عند زميل أو بتهنئة مستحقة لآخر، أو يصحح لك كلمة فيما كتبت، أو ينبهك إلى جملة رابطة سقطت من أفكارك وأنت تكتب مقالك فأحدثت انفصالا بين جزء من المقال وآخر.

 

رحل العم جورج قبل عامين، نعيته وقتها وتذكرته الآن وأنا أرى سيل التحريمات عن التهنئة بالأعياد، عشرات التفسيرات العقيدية التى تخرج مصطدمة بالعقل والنص وفطرة المسلم الحنفى، قبل أن ينقسم إلى سنى وشيعى ووهابى وسلفى وإخوانى.

 

كان العم جورج يفشى السلام ويطعم الطعام، ويعمل بضمير لا ينام، ويتبسم فى وجوه إخوانه، ويأكل حلالا، ولا يؤذى أحدا بكلمة، ولا يجرح زميلا بلسان.

 

لا يهم إذا كانت «تنيحت» روحه، أو صعدت إلى بارئها، لا فرق إن كان انتقل إلى «الأمجاد السماوية» أو إلى «رحمة الله»، فالله «العادل» وحده يملك الحكمة والمصير، وينظر للقلوب والأعمال، ويكافئ الودعاء الطيبين فى نهاية المدى.

 

استفت قلبك وهنأ أخاك وجارك وزميلك بعيد الميلاد، لا تلتفت لفتاوى القبور والكراهية والجهامة، هذا ميلاد المسيح عيسى بن مريم الذى تعلمت أن السلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا، فإذا كان القرآن احتفل بميلاد المسيح، فما الذى يضيرك أن تحتفل وتهنئ من يحتفلون، بنية إيمانك به وبجوهر رسالة «رحمة العالمين» الذى جاء من بعده.

أحمد الصاوى كاتب صحفي
التعليقات