تاه فكرى فى توصيف ما ألم بالوطن يوم الأربعاء أول فبراير فرمى ظلا ثقيلا حالك السواد على خريطة مصر بأكملها. مصيبة أم نكبة، كارثة أم صدمة؟ تسونامى من العنف غير المبرر يضرب بقسوة ووحشية ومد عال من رياح الفوضى ينفجر فجأة فى جموع جاءت فى الأصل لتلعب وتفرح؟
ما الذى ألم بنا؟ إذا ابتعدت تماما عن السياسة وانحزت إلى موضوع صفحتنا «الصحة» أرى أن من واجبى أن انبه إلى أننا جميعا على طريق حالة من «الاضطراب التوترى الذى يعقب الصدمات» Post Traumatic Stress Disorder وهو تعبير علمى يعرفه جيدا أطباء النفس يعبر عن حالة الهلع النفسى والرعب الذى يزلزل النفس فيتداعى لها الجسد حينما يتعرض الإنسان لمواجهة كارثة تهزه بعنف يروعه فإذا نجا منها طاردته تداعياتها فأحالت حياته جحيما.
أكثر الأمثلة وضوحا ما ينتاب الجنود إذا ما قدرت لهم النجاة وعادوا من حروب مدمرة كتلك النماذج الكثيرة التى سجلتها ملفات الطب النفسى عند عودة جنود الولايات المتحدة من حروب فيتنام والعراق وأفغانستان. الأمر لا يقتصر على الجنود بعد الحرب أو الذين تعرضوا لهجمات انتحارية وحوادث اغتصاب بل يمتد أيضا أثره ليطول من يتعرضون لأى مواقف عصيبة قد يكون منها إجراء عمليات جراحية كالقلب المفتوح أو الأزمات القلبية أو الإصابة بالسرطان وأرانى اليوم أضيف إليها آثار ذلك الحدث الكارثى الذى عاصرناه وأصابتنا دمويته بصدمة أفقدت الكثير منا القدرة على النطق وشلل التفكير!
أخطر ما أخشاه أن نتعايش مع تلك الكارثة فنعتبرها جزء من ذلك الواقع الأليم الذى نعيشه والذى فرض نفسه تحت مسمى «أحداث تواكب الثورات» أن نقبل أن تستمر تلك الفوضى وأن نلجأ لتفسيرات منها أن هذا عقاب إلهى لأننا تركنا الفروض وانحرفنا عن الطريق القويم. أما أكثر ما يثير فى قلبى الخوف وفى عقلى الارتباك هو أن نتحول «لفرجة» يراقبها العالم فى شغف كما حدث فى العراق حينما تحول الدمار والعذاب والهزيمة التى أحنت رأس عاصمة الخلافة العباسية بغداد إلى مشهد درامى متصل على شاشات العالم لا تخلو من إثارة أو متعة للمشاهدين.
انتبهوا لتداعيات ما بعد الصدمة. حاصروا الكارثة ولا تصدقوا أنها قدرية إنها شر من صنع أيدينا. انتبهوا قبل أن تأتى علينا النار ولا يبقى منا إلا قصص إنسانية مؤثرة كالتى استمتع بها العالم عن الحروب والثورة الفرنسية والطاعون.