دوس.. بطرس.. وهيب... ومصر! - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 10:11 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دوس.. بطرس.. وهيب... ومصر!

نشر فى : السبت 6 فبراير 2016 - 7:40 م | آخر تحديث : السبت 6 فبراير 2016 - 7:40 م
ثلاثة شباب يحكون قصة مصر المعاصرة. محب دوس طالب الدراسات العليا الذى يدرس القانون بجامعة عين شمس ومن مؤسسى حركة تمرد، عاطف بطرس الباحث بمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة ماربورج، وعمرو وهيب ضابط الصاعقة بالجيش المصرى. محب تم القبض عليه بتهمة الانتماء لتنظيم ٢٥ يناير! أما عاطف فقد مُنع من دخول مطار القاهرة وأجبروه على الرحيل بحجة أنه ممنوع من دخول مصر! أما عمرو وهيب فقد استشهد فى عملية إرهابية غادرة فى سيناء.

الثلاثة من شباب مصر، والثلاثة دفعوا أثمانا مختلفة لحبهم لوطنهم، الأول دفع ثمن حريته فى السجن لأنه حلم بمصر أفضل، أما الثانى فقد دفع ثمنا أفدح تمثل فى حرمانه من دخول بلده فى مشهد سيريالى وعبثى باقتدار. أما الثالث فقد فَقَدَ روحه وهو يدافع عن تراب سيناء الغالية على يد الجماعات الإرهابية المرتبطة بداعش وأخواتها.

***

الشباب الثلاثة أعرفهم أيضا. محب دوس أرتبط بصداقة وزمالة مع أحد أفراد أسرته، أختلف أو أتفق معه فى بعض المواقف، لكنه يظل من الشباب المتحمس للإصلاح والتغيير السلمى، كان بصدد تأسيس مؤسسة تنموية وكان قبل القبض عليه فى الخطوات الأخيرة من إشهارها قانونا، وكان يعمل مع أصدقائه على بناء مشاريع اقتصادية واجتماعية للتعامل مع الواقع الصعب. كما ترون كلها جهود سلمية، قانونية، لا تختصم أحدا ولكنها تسعى ببساطة «للبناء». أى أنه حتى وفقا لثنائية البناء/الهدم التى يراها كاتب هذه السطور ثنائية ضحلة، ولكنه حتى بهذا المعيار الضيق من البنائين وليس من الهدامين. محب أسرته لا تريد اختصام أحد ولا تريد الدخول فى صراع مع أحد فقط تريد الحرية لابنها وهو فى مقتبل حياته، يريدون تطبيق القانون لا أكثر ولا أقل. محب حتى بالمعايير الهستيرية ليس ضد مؤسسات الدولة، فقد كان مديرا فى الحملة الانتخابية للواء حاتم بشات نائب المصريين الأحرار عن دائرة الحلمية والزيتون فى الانتخابات الأخيرة وكان يحلم بتطوير مهاراته فى مجال الحملات الانتخابية.

أما الدكتور عاطف بطرس فهو صديق عزيز، عرفته فى برلين، وبالإضافة إلى الاهتمامات الأكاديمية المشتركة بيننا، فهو أيضا من مؤسسى «ميادين التحرير» وهى منظمة غير حكومية مشهرة وفقا للقانون الألمانى تتبنى أطروحات مدنية/علمانية ولديها العديد من الأنشطة الثقافية والفنية والسياسية، كما أنه فى مصر لديه مشروع للتنمية المجتمعية فى منطقة المطرية مشهر وفقا للقوانين المصرية، أى إن عاطف أيضا ورغم بعض كتاباته المعارضة التى لا يجب أن تدينه فى شىء لأن المعارضة مكفولة بالقانون، هو وفقا لنفس الثنائية الضيقة للدولة المصرية فى تصنيف المعارضين من البنائين! كما أنه شخص سلمى لم يخرق القانون، بل وحتى فى المطار حينما قاموا بترحيله فإنهم لم يتهموه بأى خروقات للقانون، فقط قالوا ممنوع من دخول مصر هكذا ببساطة!!

وأخيرا فإن النقيب الشهيد عمرو وهيب هو شهيد الواجب من أبناء القوات المسلحة، استشهد بعد إصابته فى عملية إرهابية استهدفته وجنوده فى صحراء سيناء. لم أعرف باستشهاد عمرو سوى من فترة قريبة ولم أعرف أنه أخ أقرب أصدقائى فى الغربة سوى منذ أيام قليلة ماضية. شرح لى صديقى حجم الألم الذى تشعر به الأسرة فضلا عن زوجته وأولاده (أصغرهم رضيع لم يكمل سبعة أشهر من العمر). فور معرفتى بالخبر ذهبت سريعا للبحث فى شبكات التواصل الاجتماعى حتى وجدت فيديو مهيب لجنازة عسكرية أقيمت له قبل أن يوارى جثمانه الثرى، بينما ترتفع أصوات السيدات اللاتى ينتحبن من أجله ومن أجل أطفاله داعين الله أن ينتقم من القتلة والإرهابيين.

***

تنتابنى لحظات الحزن والكمد وأنا أرى الأصدقاء والزملاء يسقطون واحدا وراء الآخر رغم اختلاف الأيديولوجيات والمواقف والمواقع والميادين. أعتقد أننا فى كابوس حقيقى وكل يوم يتأكد لى أننى غير مبالغ فى مخاوفى أو من عدم تفاؤلى بخصوص مستقبل هذا الوطن الذى يدفع أبناؤه أثمانا مؤلمة ومازالوا وسيظلون للأسف يدفعون طالما بقيت الأوضاع الحالية على حالها دون تغيير.

حينما شاهدت جنازة الشهيد وهيب تساءلت، هل حقا أننا لم نوف شهداء الجيش والشرطة ما يستحقونه من واجب التعاطف والدعم؟ ربما يكون البعض قد اختلط عليه الأمر، ولكننى أكرر أن دم كل المصريين حرام. هذه الحرمانية ليست فقط لتأسيس موقف أخلاقى ولكنه أيضا لتأسيس موقف سياسى بدونه لا يمكن البناء المستقبلى. للمرة المليون، نحن لسنا فى صراع ضد الجيش والشرطة ولا أبنائهم وجنودهم، فهم من نسيج هذا الوطن، لكننا ضد سياسات ومواقف وممارسات على الأرض ونريد تحكيم القانون والدستور بين الجميع لحفظ الدماء وعصمتها ولإعلاء قيم العدل بمعناه الواسع عن طريق إقامة علاقات متوازنة ورقابة متبادلة بين مؤسسات الدولة وبين جموع الشعب.

حينما حبس محب دوس تساءلت، هل بالغنا حينما قلنا إن أوان الإصلاح قد فات بكل أسف وأنه لم تعد هناك فائدة من الحديث مع السلطة؟ هل بالغنا حينما قلنا أن الدولة لم يعد بها إصلاحيون وأنه حتى ولو وجد بها بعضهم فهم بكل أسف مهمشون وغير ممكنين ومن المستعبد أن يكون لهم أى قدرة على تغيير المعادلات الحالية؟ لا أعتقد أبدا أننا نبالغ إذا ما قلنا ذلك مرارا وتكرارا فها هم شباب ٣٠ يونيو يتم اختصامهم أيضا وسلب حريتهم وراء القضبان بعد أن تم التخلص من شباب ٢٥ يناير.

أما حينما تم منع الصديق الدكتور عاطف بطرس من دخول بلده، فقد شعرت بالحيرة. منع عاطف من دخول مصر هو بمثابة تطور جديد عبثى تماما. عبثى حتى بالمنطق السلطوى. فهو ليس متهما بشىء وإلا لكانت الدولة مارست سلطتها وقبضت عليه. أو حتى مررته للدخول إلى أراضيها ثم منعته من السفر، لكنها لم تفعل هذه ولا تلك، فقط وبدون أى اتهامات محددة قررت منعه من الدخول إلى بلده. هذا فى الواقع أقرب لسياسات النفى الذى يتبعها عادة المحتل. أما أن تتبعها سلطة وطنية تمثل دولة قومية ضد مواطنيها فهذا تطور مؤلم وبكل تأكيد يدفعنا للتفكير فى سيناريوهات أكثر خطورة مستقبلا.

***

نحن الآن أمام ثلاث معادلات للحكم/التغيير تعرضوا جميعا للهزيمة، معادلة الثورة (يناير) التى لم تجد فاعلين منظمين للتعبير عنها وبالتالى لم تقدر على التغيير أو فرض أجندتها الجديدة فتوارت لصالح معادلة الإصلاح (يونيو)، الأخيرة ذات مضمون جذاب ومبهر، سنتخلص من الحكم الدينى وسنفرض حكما مدنيا بعد التخلص من مبارك والاستعانة بقائد تحديثى من رحم الدولة المصرية، ولكن ها هى بدورها تفشل، لأنه كما لو يوجد ثوار منظمون لم يوجد إصلاحيون مخلصون، تهافت منطق الإصلاح سريعا أمام جماعات المصالح وصراعات الأجهزة، لنجد أنفسنا أمام معادلة شبيهة بمعادلة مبارك من جديد. أى معادلات ما قبل الثورة، معادلات ترفض الإصلاح والتعددية وتعادى الثورة، لكن حتى هذه المعادلة ورغم بؤسها، فهى أيضا معادلة فاشلة، فمصر الآن لا يوجد بها حزب أو تنظيم للدولة. لا يوجد ولن يتواجد على الأقل فى المستقبل القريب، حرفية رجال مبارك حتى بالمنطق الانتهازى غير موجودة الآن، المشهد الإقليمى والدولى الذى استفاد منه مبارك لم يعد موجودا الآن، كما أن السيسى هو السيسى، ليس مبارك وليس السادات وليس عبدالناصر قطعا، فما المخرج من هذه الدوائر المفرغة إذن؟

لا يوجد مخرج واضح لا نظريا ولا عمليا، لكن الحلول كلها تبدأ فقط من الاتفاق على حقيقة، لو اتفق عليها معظمنا ربما تحسسنا طريق البداية، الحقيقة تقول أن جمهورية ١٩٥٣ تحتضر ويحتضر منطقها والأثمان التى تصرف على إعادة بعثها ربما تبقيها إكلينيكيا بعض الوقت، لكن الوفاة حتمية وعلى الجميع أن يبدأ التفكير فى أسس مختلفة لجمهورية جديدة تليق بنا ونليق بها، جمهورية تليق بروح عمرو وهيب وزملائه وتستحق تضحيات عاطف بطرس ومحب دوس وغيرهم كثيرون.

مدرس النظم السياسية المقارنة، جامعة القاهرة

اقتباس

نحن لسنا فى صراع ضد الجيش والشرطة ولا أبنائهم وجنودهم، فهم من نسيج هذا الوطن، لكننا ضد سياسات ومواقف وممارسات على الأرض ونريد تحكيم القانون والدستور بين الجميع لحفظ الدماء وعصمتها ولإعلاء قيم العدل.
أحمد عبدربه أستاذ مشارك العلاقات الدولية، والمدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة دنفر