هل تقبل أمريكا اليمين المصرى الصاعد؟ - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
السبت 21 ديسمبر 2024 8:54 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل تقبل أمريكا اليمين المصرى الصاعد؟

نشر فى : الأربعاء 6 أبريل 2011 - 9:44 ص | آخر تحديث : الأربعاء 6 أبريل 2011 - 9:44 ص

 لم تعرف مصر من قبل وجود تيار يمينى حقيقى منذ ظهور هذا التصنيف إبان الثورة الفرنسية، حيث كان المعارضون يجلسون دائما فى يسار الجمعية العمومية الفرنسية، فى حين يجلس الأعضاء الموافقون دوما على السياسات التقليدية أو المحافظين على اليمين. ومع نجاح الثورة البلشفية فى روسيا فى بدايات القرن الماضى، طرأ تغيير مهم على مفهوم أحزاب اليسار، فأصبح كل ما هو شيوعى أو قريب منها يعد حزبا يساريا، وأصبح أى حزب محافظ أو تقليدى أو متعصب لقوميته أو ديانته يعتبر يمينيا غالبا.

وبعدما قلبت ثورة مصر خريطة القوى السياسية المحلية رأسا على عقب، وأعادت تشكيل الخريطة السياسية لتتضمن للمرة الأولى فى التاريخ المصرى الحديث وجودًا قانونيا شرعيا للقوى السياسية ذات المرجعيات الإسلامية، إذ حصل حزب الوسط على الترخيص اللازم لممارسة العمل السياسى، كذلك شرعت جماعة الإخوان فى التأسيس لحزب العدالة والحرية، ناهيك عن الدور المتصاعد للسلفيين، وهو يعكس معادلات سياسية جديدة ومختلفة. ورغم الكثير الذى يفرق بين هذه القوى الإسلامية، إلا أن ما يجمعهما أكثر مما يفرقهما. ويجمع بين القوى السياسية ذات المرجعية الإسلامية فى النهاية رغبة كبيرة فى استعادة مجد الإسلام، وإقامة مجتمع على أسس إسلامية محافظة، وهم يمثلون فى النهاية تيارا واحدا أرى أنه أصبح يمثل «اليمين المصرى».

ومع تزايد ظهور مؤشرات كثيرة على أن هذا اليمين سيلعب دورا سياسيا مهما فى الحياة السياسية المصرية الجديدة فى عالم ما بعد ثورة 25 يناير، أعرب عدد من المسئولين والخبراء الأمريكيين عن قلقهم ومخاوفهم من أن تسيطر حركة الإخوان المسلمين على السلطة فى مصر، وأن ترسى نظاما إسلاميا يمينيا، يمكن أن يوثر سلبا على العلاقات الوثيقة بين مصر والولايات المتحدة، وبين مصر وإسرائيل.

عندما تحدث الرئيس الأمريكى باراك أوباما من جامعة القاهرة، أكد على احترام رغبات واختيارات الشعوب، بقوله إن «الولايات المتحدة سترحب بكل الحكومات التى تنتخب ديمقراطيا وبطريقة سلمية»، وطمأن أوباما جميع القوى السياسية فى العالم الإسلامى بعدما تسرب إليهما الشك من النوايا الأمريكية والغربية الرافضة لنتائج الانتخابات الحرة إذا ما فازت فيها قوى إسلامية. إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش رفضت الانتخابات التى أتت بتنظيم حماس للسلطة فى فلسطين، ومن قبل ذلك بأكثر من عقد من الزمن، منع اليمين الإسلامى فى الجزائر من تولى مقاليد الحكم رغم فوزه بانتخابات حرة وعادلة.

ولكل دول العالم يمينها السياسى، والولايات المتحدة تعترف وتتعامل مع حكومات يمينية متعددة، وبعضهم من أهم حلفاء واشنطن مثل إسرائيل التى يحكمها اليمين متمثلا فى حزب الليكود بقيادة بنيامين نتنياهو، وحزب «إسرائيل بيتنا»، والذى يرأسه وزير الخارجية أفيجدور ليبرمان. وللولايات المتحدة نفسها يمينها السياسى، والتى عبرت عنه حركة «حزب الشاى Tea Party» بقوة خلال العام الماضى ويتوقع له أن يلعب دورا مهما فى أى انتخابات قادمة.

إلا أن الاعتراف باليمين الإسلامى مازال أسير تشوهات تسيطر على العقلية الأمريكية. الخوف على مستقبل معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، والخوف من تعاون الإخوان مع تنظيم حماس أو النظام الإيرانى، يبعد الأمريكيين أكثر وأكثر عن القبول باليمين الإسلامى.
فى الوقت نفسه لا تزال صورة نظام الحكم الإيرانى ذى التوجهات الإسلامية الراديكالية، تسيطر على عقلية صانعى القرار فى واشنطن، عندما ينظرون لظاهرة الثورة المصرية ودور الإسلاميين فيها وبعدها.

ولم تشهد أى من الزيارات العديدة لكبار المسئولين الأمريكيين مؤخرا للقاهرة أى اجتماعات علنية بينهم وبين قيادات جماعة الإخوان المسلمين. واكتفى الجانب الأمريكى بعقد مقابلات مع معظم القوى السياسية الأخرى، حتى تلك التى تفتقد قاعدة شعبية حقيقية، رغم تزايد إدراك المسئولين الأمريكيين أن الواقع السياسى يشير إلى أن الإخوان المسلمين يستعدون لتولى حصة كبيرة من السلطة، إذا ما أجرت مصر انتخابات حرة ونزيهة فى الأشهر المقبلة.

ورغم ترحيب بعض المراقبين الأمريكيين بمشاركة الإخوان فى الحياة السياسية، وعلى رأسهم كاتب الواشنطن بوست، ديفيد إجناشيوس، الذى يرى أن جماعة الإخوان المسلمين فى مصر ليست بعبعا، ولا تثير المخاوف، وأن ما وجده أثناء زيارته للقاهرة ومعاقل الإخوان والحديث معهم كان «مطمئنا»، ارتفعت أصوات داخل الإدارة وخارجها تحذر من أى تعامل مع الإخوان. ويرجع البعض هذا التشكك لطبيعة تنظيم الإخوان، وبقية القوى الإسلامية، وتشير مارى هيبيك، عملت فى السابق فى مجلس الأمن القومى، إلى «أن سرية جماعة الإخوان المسلمين جعلتهم غير معروفين لصانعى السياسة فى واشنطن، وجعلت من المستحيل الثقة بهم وتصديق ما يقولون».

وعلى العكس من كل قيم الحرية والديمقراطية الأمريكية النبيلة، أصدر السيناتور مارك كيرك (جمهورى ــ إلينوى) مؤخرا بيانا أشار فيه إلى ضرورة أن تقوم «الولايات المتحدة بما فى وسعها من أجل منع جماعة الإخوان المسلمين الراديكالية من الوصول لحكم مصر». ومن الغريب استمرار التعنت الأمريكى تجاه اليمين المصرى الإسلامى حتى مع انكشاف الضعف الشديد للقوى السياسية الليبرالية المفضلة أمريكيا بين صفوف الشعب المصرى.

حكومة مفترضة للإخوان أو يشارك فيها الإخوان فى المستقبل تعنى التعامل مع نظام حكم يتمتع باستقلالية لم تعهدها واشنطن مع حكومات مصر من قبل. وعلى القوى اليمينية المصرية البدء بتدعيم التوافق بين الإسلام والديمقراطية والمواطنة فى صور عملية، وأن يبدأوا فى تقييم السياسات الغربية، والأمريكية، من منظور براجماتى مصلحى بدلا من المنظور الإيديولوجى الجامد.

قد يجد أركان الإدارة الأمريكية ما يبررون به عدم اعترافهم باليمين المصرى الجديد الصاعد، إلا أن عدم اعتراف البعض منا، نحن المصريين، بيميننا المصرى لا يوجد له ما يبرره، خاصة بعد نجاح ثورة شعبية شاركت فيها التيارات اليسارية والليبرالية والوسطية واليمينية، كلا على حد سواء.

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات