من حق الجزائريين الغاضبين والمحبطين أن يشعروا بالفرح والسعادة، لأنهم تمكنوا من إجبار الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة على الاستقالة يوم الثلاثاء الماضى، لكن الأكثر أهمية أن يدركوا أن ما تحقق هو الجزء الأسهل، فى حين أن الأصعب لايزال موجودا ويحتاج إلى جهد كبير من الجميع.
أذكر جيدا أنه فى مساء يوم الجمعة ١١ فبراير ٢٠١١، رقص مئات الآلاف من المصريين، وغنوا فى ميدان التحرير، احتفالا بإعلان الرئيس الأسبق حسنى مبارك تخليه عن الحكم. أكثر من ٩٩٪ من المحتفلين كانوا يعتقدون وقتها أن «الدنيا ربيع والجو بديع»، وأن كل شىء سيئ سينقلب إلى الأفضل، لمجرد أن مبارك قد ترك الحكم، وغادر إلى شرم الشيخ، ثم اكتشف الجميع فيما بعد أن تنحى مبارك كان هو الجزء الأسهل جدا، وأن الأهم هو التغلب على التحديات الصعبة جدا التى تواجه البلاد تمهيدا لبناء دولة على أسس حديثة. الأمر نفسه وربما بحذافيره ــ مع فارق التفاصيل ــ ينطبق على الأشقاء فى الجزائر. هم تظاهروا عشرات المرات منذ أسابيع، للمطالبة بمنع ترشح بوتفليقة للمرة أو العهدة الخامسة، وهم نجحوا فى ذلك، ويأملون أن يكون ذلك بداية لبناء الدولة الحديثة التى يستحقونها.
احتفل الجزائريون ليلة الثلاثاء فى الميادين الكبرى بالعاصمة والولايات المختلفة، لكن عليهم ألا يبالغوا فى الأحلام، حتى لا يتعرضوا إلى الصدمات والإحباطات، التى أصابت أشقاء لهم من قبل فى العراق وتونس ومصر وسوريا وليبيا واليمن.
على الأشقاء فى الجزائر، أن يفرحوا، لكن عليهم تذكر أن هناك قوى كثيرة، ستحاول عرقلة الإصلاح بكل الطرق الممكنة، لأنه ببساطة سيضرب مصالحهم فى الصميم. وطبقا لما نقلته «الجارديان» البريطانية، قبل أيام، فإن الفساد مستوطن فى الجزائر، وكبار الفاسدين هم من دفعوا بوتفليقة دفعا للترشح حتى يحميهم ويستمروا فى النهب، وحتى لو خرج بعض هؤلاء من المشهد فهناك شبكات أخطبوطية معهم. ويرتبط بالفساد اللوبيات وجماعات المصالح المختلفة التى استفادت ليس من العصر الماضى فقط، ولكن من العصور السابقة بأكملها.
مصالح تكونت بصورة شرعية حينا، وصور غير شرعية أحيانا، وسوف تحارب هذه القوى دفاعا عما تعتقد أنه مصالحها، وستحاول عرقلة التحديث والتطور بكل ما لديها من أسلحة.
التحدى الثانى هو الإصلاح الاقتصادى، وهناك تقديرات بأن الثروة النفطية تتآكل، وقدرة الحكومة على استرضاء الناس تقل، فى حين أن ربع عدد الشباب يعانون من البطالة، وهم الذين كانوا يشكلون الجزء الأكبر من المتظاهرين والمحتجين فى الشوارع خلال الأسابيع الماضية.
أما التحدى الأكبر فهو أن يدرك المتظاهرون وقادتهم أنهم لن يحققوا مائة من مائة من مطالبهم فورا. عليهم أن يدركوا أنهم سيدخلون مع مفاوضات ومساومات طويلة ومعقدة مع القوى المؤثرة والمهيمنة.
لكن المهم أن يبدأوا السير فى الطريق الصحيح من البداية، حتى لا يهدروا الكثير من الرواح والوقت والمال والأعصاب.
من أفضل ما يميز مظاهرات الجزائريين الأخيرة أنها كانت سلمية تماما، لم يسقط شهيد من المحتجين أو من الشرطة. الجميع التزم أقصى درجات التحضر، على الرغم مما يشيعه البعض خطأ بأن غالبية المواطنين يتميزون بالقسوة والعنف. الأهم أن يستمر هذا السلوك حتى تنتهى المرحلة الانتقالية بسلام.
أكبر خطأ يقع فيه الجزائريون، هو اعتقاد بعضهم ــ مهما كان اسمه أو حجمه، شخصا كان أم هيئة أم حزبا أم مؤسسة ــ أنه يستطيع بمفرده أن يسيطر أو يكوش أو يهيمن على كل شىء ويقصى الآخرين.
هذا الخطأ الفادح هو الذى أفشل وعرقل وعطل الثورة المصرية، حينما ظن البعض أنهم المالك الحصرى والوحيد للثورة وللوطن وللدين، وأثبتوا وقتها أن شعارهم الحقيقى هو «مغالبة وليس مشاركة»!!.
يستحق الجزائريون حياة كريمة وحديثة وهم أثبتوا أنهم شعب محترم ومتحضر جدا، حينما رفضوا أن يتم حكمهم بهذه الطريقة التى كانت تتصرف بها «العصابة» المحيطة بالرئيس على حد وصف بيان رئاسة الأركان.
ونتمنى أن يكمل الأشقاء فى الجزائر نفس المنهج الهادى، حتى ينقلوا تجربة ملهمة لبقية الشعوب العربية.