الكفاح من أجل الصحة العامة - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الخميس 12 ديسمبر 2024 8:50 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الكفاح من أجل الصحة العامة

نشر فى : الإثنين 6 أبريل 2020 - 9:10 م | آخر تحديث : الإثنين 6 أبريل 2020 - 9:10 م

«اعتبارا من الآن، سأكافح من أجل الصحة العامة، ولا ينبغى أن تكون قضية الصحة العامة، قضية مال، وأن نتركها بين أيدى السياسيين، علينا أن ندافع من أجل أحد أفضل الأنظمة الصحية فى العالم».
قائل هذه العبارة السابقة هو طبيب القلب الإيطالى فابيو بيفيرالى، الذى أمضى ثمانية أيام معزولا عن العالم فى وحدة العناية المركزة، والإنعاش فى مستشفى بوليكلينيكو أومبرتو الأول فى روما، بعد إصابته بالفيروس.
الطبيب حكى قصته يوم السبت قبل الماضى لوكالة الأنباء الفرنسية، ونقلها الموقع الإلكترونى لصحيفة الشرق الأوسط اللندنية، تحت عنوان: «فى مستشفيات روما.. ليالى المرضى بين الكوابيس وشبح الموت». هو قال كلاما كثيرا مؤثرا مثل أنه لا يستطيع التحدث عن هذه التجربة إلا وتنهمر دموعه، وأنه رأى حالات كثيرة لمرضى يصرخون قائلين: كفى من شدة الألم، وأن القلق الأكبر كان بالليل، حيث تأتى الكوابيس ويحوم شبح الموت، وأنه كان يحاول عد أنفاس جاره بالمقياس الموجود فى الموبايل، حتى ينسى ألمه الشخصى، وأن اليأس كان يجتاحه، حينما يفكر أنه قد يموت ولا يرى أقرباءه.
حكيت القصة السابقة مطولا حتى أعود إلى الخلاصة التى توصل إليها الطبيب، بل ومدير المركز الطبى فى مستشفى كازالبالوكو فى روما أنتونينو ماركيزى الذى اعترف بقوله: «للأسف لم نكن مستعدين بشكل كاف، البؤر الأولى أدت إلى استهلاك مفاجئ وهائل لبعض المستلزمات، ومصانعنا بدأت تعمل للتو على تأمينها لنا، وعدد المرضى أكبر كثيرا من العدد الذى يعلن كل مساء فى الحصيلة الرسمية، لأن بعض المرضى فرضوا على أنفسهم العزلة فى بيوتهم بدون إجراء فحوص ويتعافون ببطء».
حينما تشكو دولة مثل إيطاليا، وهى من الدول الصناعية السبع الكبرى فى العالم، وحينما ينتشر فيها الفيروس بهذه الصورة بحسب إحصاءات ظهر أمس الإثنين، حيث تحتل صدارة دول العالم فى عدد الوفيات «15887 حالة»، وثالث دولة فى عدد الإصابات بعد الولايات المتحدة واسبانيا «128948 حالة»، فعلى الجميع أن يقلق ويتساءل: إذا كان هذا هو الحال فى إيطاليا، فكيف يمكن أن يكون فى بقية الدول الأقل تقدما وموارد مقارنة بإيطاليا؟!.
كورونا تسبب فى كوارث لا تعد ولا تحصى، ولكنه أيضا كشف لنا العديد من الثغرات الكبرى فى العديد من مجالات حياتنا، وأهمها الصحة العامة.
الخلاصة التى وصل إليها الطبيب الإيطالى عقب خروجه من أزمة شخصية كاد يدفع فيها حياته ثمنا، أظن أن كثيرين توصلوا إليها سواء كانوا من كبار المسئولين أو من مواطنين عاديين فى العالم أجمع.
المقصود بالصحة العامة هنا ليس أن يكون لدينا أغلى مستشفى، أو الأكثر شهرة على مستوى العالم، أو أعلى مستوى استثمارى من الطب، بل أن يكون لدينا نظام صحى يركز بالأساس على الصحة الأولية والطب الوقائى، والشرط الأساسى أن يتواجد هذا النظام فى كل مكان ويكون متاحا للجميع، وليس فى أماكن محددة، أى يتاح فى المدينة الكبرى والمركز والقرية والبلدة الصغيرة.
والفكرة السابقة ليس فكرتى بل سمعتها من الدكتور محمود محيى الدين نائب رئيس البنك الدولى ومبعوث الأمم المتحدة لأجندة التمويل 2030، خلال حوار تليفونى مطول نشرته الأسبوع الماضى فى الشروق.
الدول التى أدارت الأزمة بصورة جيدة مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة والصين، فعلت ذلك، لأنها استثمرت طويلا فى البشر والتعليم والصحة الأولية والطب الوقائى، ولذلك أداروا الأزمة بصورة جيدة إلى حد ما، فى حين أن دولا أخرى لديها أفضل وأهم وأكبر وأشهر المستشفيات، لم تنجح حتى الآن فى إدارة الأزمة، مثل الولايات المتحدة وإيطاليا، لأنها لا تملك برنامجا متكاملا للصحة الأولية، يغطى جميع المناطق وجميع المواطنين.
هذا هو الدرس الأساسى الذى ينبغى أن يصل لكل الحكومات والأحزاب والأنظمة والمجتمع المدنى. وأن ينشغل الجميع بالإجابة عن السؤال الآتى: كيف يمكن أن يكون لدينا صحة أولية وطب وقائى جيد وكيف يمكن أن يكون لدينا منظومة صحية متطورة وإنسانية؟ هذا موضوع كبير ومهم وبه مئات التفاصيل، ويحتاج إلى نقاش مجتمعى حقيقى، وليس مجرد «سلق بيض»!!.

عماد الدين حسين  كاتب صحفي