ما حدث فى مصر فى الثالث من يوليو 2013 ليس انقلابا، لأن قرار عزل الرئيس لم يتخذ فى غرفة مغلقة بها مجموعة من الجنرالات، ومن يظن أن ما حدث فى عام 1954 هو نفس ما يحدث الآن فعليه أن يراجع نفسه، لأن المظاهرات المحدودة ــ التى لا يعرف كيف بدأت ولا من حركها حينذاك ــ كانت تهتف (تسقط الديمقراطية)، أما مظاهرات الثلاثين من يونيو 2013 فقد كانت تطبيقا لجوهر الديمقراطية أمام رئيس وجماعة ظنت أن من حقها أن تخطف البلد إلى حيث تشاء، ونسى هؤلاء ــ وهم إخواننا فى الوطن ــ أن التعاقد بين الأمة والحاكم مشروط، وأن الحاكم إذا خالف شروط العقد ولم يستجب لمحاولات التصحيح فإن من حق الأمة عزله، وهو ما حدث.
الديمقراطية لا تمنح صكا لأى أحد ليفعل ما يشاء!
لقد أثبت الشعب المصرى قدرة فائقة على تحضير العفاريت، وعلى صرفها كذلك!
وهذا الكلام موجه لكل من يأتى، وأول من يوجه له هذا الكلام هو السيد الرئيس المؤقت عدلى منصور (وله كل الاحترام والدعاء بالتوفيق)، وكذلك للسادة المشرفين على المرحلة الانتقالية من قيادات القوات المسلحة.
وإننى على ثقة أننا جميعا قد تعلمنا من دروس العامين الماضيين أن الشعب المصرى قادر على أن يردع كل محاولات خطف ثورة يناير، وأن كل مشاكل الماضى ستعود إذا عادت ممارسات الماضى الخاطئة.
إن واجب المشرفين على المرحلة الانتقالية الآن هو البدء بمصالحة وطنية، تبدأ أول ما تبدأ بشباب التيار الإسلامى، وأخص شباب جماعة الإخوان المسلمين، ولعل العقلاء الذين تركوا الجماعة من أمثال د.كمال الهلباوى قد يستطيعون القيام بدور فى ذلك.
إننا فى مفترق طرق، ومن الممكن أن تكون هذه اللحظة بداية مرحلة جديدة فى العمل الوطنى، يشارك فيها الجميع، ويصالح الناس بها بعضهم البعض، فنرمم الشروخ، ونداوى الجروح، ومن الممكن أن نتعامل بمنطق الحقد والتشفى وأن نبدأ فصلا جديدا من الأحقاد يستمر معنا عشرات السنين!
جميع مؤسسات الدولة مدعوة اليوم للالتزام بالقانون، وجميع أبناء التيارات المدنية مدعوون لمد أيديهم لأبناء الوطن من سائر الاتجاهات لا التشفى والانتقام.
وليعلم الجميع أن فتح باب الانتقام والتشفى سيدخلنا فى أنفاق مظلمة، يعلم الله وحده كيف ومتى نخرج منها، والمنتصر اليوم مهزوم غدا.
إنها فرصة، فهل تغتنمها مصر؟ هل يخرج الأمل من الألم؟
نرجو ذلك!
كلمة أخيرة لابد أن تقال، إذا كان ما حدث ليس انقلابا، فلابد أن يفهم الجميع أنه ليس ثورة جديدة، بل هو فصل جديد مجيد من فصول ثورة يناير العظيمة، يحسب فيه الفضل لها، وينسب فيه الإنجاز لشبابها، وما شباب حركة تمرد سوى مجموعة من أبناء هذه الثورة العظيمة.
نسأل الله أن يلهمنا جميعا الحكمة، والصبر، وأن يعيننا على شهوات أنفسنا، وأن يقر أعيننا برؤية شباب مصر يتولون زمام القيادة، لكى تتحرك مصر للأمام.
عاشت مصر للمصريين وبالمصريين.