كثيرا ما كتبت تحت عنوان «صباح الصحة والسعادة» موضوعات فى الأربعة أعوام التى مضت، وأنا أعلم أنها تكدر الصباحات ولا تشى بأى سعادة ولها علاقة بالمرض أقوى كثيرا من علاقتها بالصحة.
اليوم أكتب لأتمنى أن تتجدد صباحات كثيرة مليئة بالسعادة والصحة على هذا البلد العظيم وكل مواطنيه كذلك الصباح الذى نعيشه. أنا لا أنحاز إلى فريق فاز ــ أنا بالفعل منه ــ على آخر انهزم, فواقع الأمر أن المعركة كانت من طرف واحد. معركة انتصر فيها تيار الشعب المصرى الأساسى على مجموعة من الأمراض والأعراض النفسية خلفتها سنوات طويلة من الضغوط النفسية الشرسة المتواصلة. كان احتمال المصريين «طويل التيلة» فظلوا لعهود طويلة يتحايلون على احتمال الظلم والاستبداد والفساد وغياب الأمان والعدل وانهيار الخدمات الأساسية وصعوبة الحصول على أبسط متطلبات الحياة. كان الراصد لسلوك المصريين يعجب من قدرتهم على الاحتمال فى صبر يقارب الاستسلام، أما أطباء النفس فقد كانت حيرتهم أكبر: أيهما أعلى نسبة من أمراض المصريين النفسية والعقلية: الاكتئاب أم انفصام الشخصية؟ كان الحديث دائما عن شعب يعيش ويتعايش مع الأمراض النفسية والعقلية خاصة بعد تلك المحنة التى عشناها بعد أحداث 25 يناير. اختار الشعب المصرى للمرة الأولى وجاء للسلطة رئيس منتخب رجح كفة البسطاء الذين جنحوا للاحتماء بالدين من وجهة نظرهم. وقبل أن يمر العام كان الرأى قد اجتمع على أن المصريين ربما قبلوا فى الماضى تسلط الحاكم باسم السياسة، لكنهم أبدا لن يقبلوه باسم الدين. تلك هى بداية التعافى النفسى للمصريين، فالدين لله والوطن للجميع.
تلك بلا شك لحظة فارقة فى التاريخ النفسى للأمة المصرية تغلب فيها الإنسان المصرى على أعراض نفسية عديدة خطيرة نتج عنها مشكلات رسمت ولفترة زمنية طويلة صورة مبهمة مختلطة المعالم للأمة باهتة الألوان عصية على الفهم ترى اليوم ملامح ملايين المصريين مشرقة متفائلة. تتعرف من بينهم على جارك الذى أغلق أبواب منزله على أولاده فى مرات سابقة خوفا من أذى يصيبهم فى المظاهرات وصديقك الذى ضاع منه حماسه بعد ما كان وزميلتك التى كان اهتمامها بأظافرها يفوق اهتمامها بالسياسة. تصافح ملتحيا لا تعرف اسمه ومحجبة تهتف بكل حرارة وآخر على رسغه صليب موسوم.
كلهم فى الشارع. كلهم نحن. كلهم مصريون فى صحوة نفسية لا غالب ولا مغلوب بل هى أمة عظيمة تنهض من كبوة طالت. توقفوا عن الكلام وابدأوا العمل كلنا معا إن شاء الله.