عن الخلفيات الشعبية للانقلابات العسكرية - عمرو الشلقاني - بوابة الشروق
الأربعاء 25 ديسمبر 2024 9:57 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عن الخلفيات الشعبية للانقلابات العسكرية

نشر فى : السبت 6 يوليه 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 6 يوليه 2013 - 8:00 ص

قامت ثورة 25 يناير يوم عيد الشرطة، قامت لإسقاط «نظام يوليو» بعقليته الأمنية وهواجسها العسكرية بعد مجموع 55 سنة من حكم الطوارئ، قامت ضد إعلام كاذب ينقل فيه تليفزيون الدولة غير الواقع، قامت ضد محليات فاسدة، ومحافظ ورئيس حى وعمدة تلقى بهم القاهرة على رءوس الأقاليم، قامت للحق ضد نائب عام يعمل لحساب رئيس الجمهورية، لا للشعب بأسره، قامت ولم تقعد حتى الآن.

 

كان الأمل بعد الثورة إصلاح جاد لكل ما سبق. إعادة بناء للشرطة على ورقة بيضاء؛ إعادة هيكلة للإعلام الرسمى تضمن له اعتزال دور بوق الحكومة؛ إعادة السيادة للشعب ينتخب المحافظين ويجعل من مجلس مدينته قوة فاعلة فى حياته اليومية؛ إعادة الاستقلال للقضاء بقوانين تنأى به عن السياسة ومشكلاتها؛ إعادة الأمل فى رغيف العيش بتطبيق جاد فى الحد الأعلى للأجور مثلا، ليشمل حوافز وبدلات موظفى الحكومة لا مرتبهم المربوط كما الأمر.

 

لم يحدث أى من هذا وبقى الحال كما كان عليه.

 

●●●

 

الشرطة كما هى وإن حاولت التجمل بمساحيق إرضاء الشعب، من توزيع زجاحات مياه على المتظاهرين مثلا، ولا أدرى كيف لها من هذا بعد أن مات من التعذيب فى أقسام الشرطة فى ظل سنة واحدة من حكم مرسى متوسط فى العدد يفوق سنوات مبارك الثلاثين مجتمعة؟

 

وماسبيرو هى الأخرى على وتيرة ما قبل 25 يناير، تنقلب التغطية على قنواتها فى يوم واحد من الهيمنة الفاعلة لوزير إخوانى فى الصباح، إلى الاحتفال بما أضحت تسميه «ثورة 30 يونيو» على شاشاتها فى المساء؟

 

أما عن النائب العام، فالأول من الثانى عند الثوار سواء، وإن أصبح أمر النيابة أشد قلقا اليوم، بعد مطلب بعض كبار أهل القانون فى مصر من «محاكمات ثورية» أو «استثنائية»، لا يتمتع فيها مرسى والمرشد وغيرهم بالحد الأدنى من ضمانات إجرائية حظى بها مبارك وأعوانه فى قضايا قتل المتظاهرين وتجريف موارد الوطن مثلا، ناهيك عن المرتقب من تعاون غير مشهود للداخلية فى جمع الأدلة ضد الإخوان وبيانات إدانتهم، بعكس تقاعسها المخيف فى قضايا السابق.

 

●●●

 

لماذا كل هذا؟

 

لأنه من 11 فبراير لليوم كان حاميها فى الغالب هو حراميها.

 

المجلس العسكرى ومن ورائه الإخوان استخدموا أدوات «نظام يوليو» بدلا من إصلاحها؛ الجيش المصرى حتى الآن لم يتحمل مسئولية شهداء ماسبيرو أو يعترف بجريمة كشوف العذرية؛ «ست البنات» لم يراضيها أحد فى زى عسكرى، ومن قام بتعذيب المواطنين فى المتحف المصرى حر طليق بيننا.

 

الإخوان بعد ستين سنة تحت الأرض يبدون وقد أصابهم ذات الداء الذى أصاب سجانيهم، فأصبحوا هم أول فلول «نظام يوليو»، أنبغهم وأعتاهم على الإطلاق، تربوا على منطق مبارك ونسقوا مع أقذر رجاله فى انتخابات 2005 و2010، حتى جلسوا مع عمر سليمان والثورة تشتعل، فتعلموا وأجادوا وحكموا بذات آليات النظام الذى قامت الثورة عليه.

 

أعطيت لمرسى صوتى ولم أتخيل مقدار ما ينتظرنى من شماتة عصر الليمون، ووقعت على «تمرد» ولكنى لم أعط بذلك توكيلا لأفراد الحملة فى الحديث نيابة عنى، ثم خرجت أتظاهر فى 30 يونيو فدهشت فرحا بكثافة ثورتنا، وكيف انضم لصفوفها أعداد كان يجب أن تشملهم من البداية، ولكن دون أن يستتبع ذلك غلق قنوات المعارضة الفضائية أو الاعتقال الجماعى لرموزها أو التحريض على عودتها محظورة تحت الأرض.

 

مخاوفى وصلت أشدها بعد ما رأيت من العنف المأجور فى حرق المقار وقتل المتظاهرين، وهالنى وقوف الشرطة موقف المتفرج، المتواطئ بالصمت فى جرائم من واجبه منعها، وتذكرت صلات لا بد قائمة بين البلطجى وشبكة مصالح الحزب الوطنى وقيادات أقسام الشرطة، صلات لم ينلها أى تطهير منذ سقوط مبارك، فكيف لعاقل يظنها غائبة عن مشهد اليوم؟

 

●●●

 

تهافت الفقهاء واختلفوا على الفضائيات فى تكييف ما حدث، ما بين انقلاب عسكرى وثورة شعبية، أو ما أعجب منهما فى اصطلاح القانون، وسيحتار أساتذة الدستورى فى التحليل والتأسيس والتدليل لسنوات من اليوم، ولآراء فى تباينها صفحات من المراجع والمقالات..

 

أما الشعب، فلا داعى أن يحتار معنا والأمر واحد فى النهاية، لقد بقيت آليات «نظام يوليو» فى الحكم القمعى مكانها كما هى، جاهزة للتطويع والاستخدام لمن يتولى أمر الوطن بعد 30 يونيو، كما كانت جاهزة لمن تولى الأمر فى المرحلة الماضية من الثورة.

 

لابد من التفاؤل الحذر عنوانا للأشهر القادمة إذن، فالإصلاح الثورى الجاد ممكن إن وجدت الإرادة السياسية له، إصلاح فى الشرطة والإعلام والقضاء والمحليات يضمن للثورة استمرارها، وليس اختطافها من جديد، ومقترحات فى كل هذه القطاعات مطروحة منذ سنوات، التنفيذ فيها قائم إن صدقت النوايا فى لم الشمل والدستور والانتخابات.

 

أهمية 30 يونيو لا تكمن فى اسم المناسبة، ثورة كانت أو إنقلابا، إنما تكمن فى بسمة أمل مجروحة الخاطر، اصطحبت الهتاف كلما علا أن «الشعب خلاص أسقط النظام»، بينما العقل صادق السخرية من ورائها بأن نظاما لم يسقط بعد، وإن تداعت أركانه، فأعطت الأمل بعد سنتين ونصف أن الثورة لسه ممكنة.

 

 

 

مدرس بكلية الحقوق جامعة القاهرة وأستاذ القانون المساعد بالجامعة الأمريكية بالقاهرة

عمرو الشلقاني مدرس بكلية الحقوق جامعة القاهرة والجامعة الأمريكية بالقاهرة
التعليقات