فى الثامنة من صباح أمس السبت، ركبت تاكسى أبيض من ميدان لاظوغلى إلى مكتب قناة العربية بجوار مبنى التليفزيون فى ماسبيرو. السائق «استلمنى»، وانفجر فى أسئلة لا تتوقف، من عينة «يرضيك يا بيه»، و«هاعمل إيه فى كوم اللحم اللى عندى؟».
السائق تجاوز السبعين، كان يعمل فى هيئة النقل العام ومعاشه أقل من اربعمائة جنيه، لديه أربع فتيات وابن معاق، ويعمل على سيارة الأجرة بالوردية ولا يملكها، قال لى: «أنا انتخبت السيسى وأحبه ولن اتظاهر ضده مهما عمل، لكن رفع أسعار البنزين والسولار بالشكل ده مينفعش».
أحد زملائنا كان يدفع لسيارة الأجرة من أكتوبر إلى ميدان لبنان ثلاثة جنيهات، أمس طلب منه السائق أربعة جنيهات.. و«اللى مش عاجبه ينزل»، هذا الزميل راتبه يسمح له بأن يدفع الزيادة، لكن ماذا سيفعل من لا يملكون؟!.
حكاية السائق والمواطن تكررت ملايين المرات صباح أمس مع بدء تطبيق زيادات أسعار الوقود.
هناك شبه اتفاق على أن قرار الحكومة برفع أسعار الكهرباء والوقود كان شرا لا مفر منه، لأن كل الحكومات السابقة «جبنت» عن اتخاذ هذا القرار لسنوات، حتى صار الدعم مثل الوحش الاسطورى الذى يخافه الجميع.
يحسب للرئيس السيسى وحكومة المهندس إبراهيم محلب اتخاذ القرار، لكن السؤال الجوهرى هو: كيف ستنفذ الحكومة تعهداتها بحماية المواطنين من انفلات الأسعار؟!.
المهندس محلب قال لنا خلال تناول الافطار مساء الاربعاء الماضى ان زيادة أسعار النقل تتراوح بين 2 إلى 7٪، والسؤال هو: كيف ستضمن الحكومة ان سائق التوك توك أو الميكروباص أو التاكسى أو أى وسيلة نقل جماعية لن يزيد الأسعار أكثر من 7٪؟!.
لنفترض جدلا أن المواطنين وبدلا من التظاهر ضد رفع أسعار الوقود خرجوا فى مظاهرة لتأييد هذه الخطوة ــ وهو شىء مستحيل بالطبع ــ ثم طالبوا الحكومة بأن تنفذ تعهداتها وتحميهم من جشع التجار؟!
لنفترض ايضا أن المواطن قبل بالزيادة ونزل من بيته وركب الميكروباص فى طريقه إلى عمله، وبدلا من زيادة الأجرة بنسبة من 2 ــ 7٪ كما قال رئيس الوزراء فوجئ بأنها ارتفعت بنسب تتراوح بين 25 إلى 50٪، فماذا سيفعل؟!.
الطبيعى ان تكون أجهزة الدولة حاضرة فى الشارع لتضمن التنفيذ على الأرض فعلا.
الأجهزة الحكومية نشرت جداول تبين الزيادات المفترضة فى تعريفة الركوب داخل القاهرة الكبرى وبين المحافظات، وهو شىء جيد، لكن كيف سيتم تطبيقها على أرض الواقع؟!.
عندما يرفض سائق الميكروباص أو بائع الخضار أو أى سلعة أخرى الالتزام بالحد المقرر للزيادة فمن سيجبره على ذلك؟!.
الدولة لم تعد شريكا مؤثرا فى عملية الإنتاج والتسعيرة الجبرية اختفت، فكيف تستطيع حماية المواطن الذى يتعرض للافتراس بدءا من منتصف ليلة الجمعة السبت؟!.
الدولة للأسف ليس لديها اسطول كبير من سيارات الأجرة لتقنع أصحاب الميكروباص بأن اضرابهم عن العمل لن يفيد، وهى لا تزرع الطماطم مثلا لكى تفرض السعر العادل، وبالتالى فإن السؤال مرة أخرى هو: كيف ستحمى المواطن المسكين؟!.
للأسف الشديد، هى لا تملك إلا مناشدة ضمائر التجار والصناع ورجال الأعمال، وهو أمر ثبت انه لا يفيد كثيرا فى العملية الاقتصادية.
ما حدث من رفع أسعار الوقود والكهرباء كان ضروريا، لكنه من دون توفير مظلة اجتماعية للفقراء ومحدودى الدخل وسائر أفراد الطبقة الوسطى، سيكون أكبر تهديد للرئيس السيسى وحكومة محلب.