ثنائية الرجاء والندم.. من القنبلة النووية إلى الذكاء الاصطناعي - محمد كامل عمرو - بوابة الشروق
الأحد 16 مارس 2025 2:59 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

ثنائية الرجاء والندم.. من القنبلة النووية إلى الذكاء الاصطناعي

نشر فى : الأحد 6 أغسطس 2023 - 10:35 م | آخر تحديث : الأحد 6 أغسطس 2023 - 11:58 م

يعرض حاليا فى دور السينما بالعالم فيلم أوبنهايمر الذى يحكى قصة حياة روبرت أوبنهايمر أحد أهم علماء الفيزياء النظرية فى القرن العشرين والمعروف بـ «أبو القنبلة النووية» حيث قاد فريق العلماء الذى توصل إلى تصميم القنبلة فى إطار ما كان يعرف بمشروع مانهاتن والقيام بأول تفجير لها يوم ١٦ يوليو ١٩٤٥ فى صحراء نيو ميكسيكو، ويرى البعض أن أوبنهايمر هو واحد من أهم الشخصيات فى التاريخ حيث أنه بإسهامه فى إنتاج أول قنبلة نووية منح البشرية القدرة على تدمير نفسها بشكل لم يكن متاحا من قبل، الأمر الذى بدوره أحدث تغييرا فى المعادلة الإنسانية مازال معنا حتى الآن.
ويقول كاى بيرد ومارتن شيروين فى كتابهماPrometheus: The« «Triumph and Tragedy of J. Robert Oppenheimer
أو «بروميثيوس الأمريكى: انتصار ومأساة روبرت أوبنهايمر» الصادر عام ٢٠٠٥، والذى اعتمد عليه الفيلم، إن أوبنهايمر كان سعيدا جدا بنجاح تجربة تفجير القنبلة وأن هذا الشعور استمر لديه بعد إلقاء القنبلة الأولى على هيروشيما يوم ٦ أغسطس ١٩٤٥ والذى أدى إلى مقتل حوالى ١٣٥ ألف شخص، حيث ذكر لبعض المحيطين به أنه يشعر بالأسف فقط لأن تطوير القنبلة لم يتم مبكرا بحيث كان يمكن استخدامها ضد الألمان فى بداية الحرب.
ولكن، وحسب الكتاب، فإن هذا الشعور بالرضا تبخر بعد قرار الرئيس هارى ترومان إلقاء قنبلة أخرى بعد ثلاثة أيام على مدينة ناجازاكى مما نتج عنه مقتل ٣٤ ألف شخص آخرين، لأنه لم يكن يرى أى مبرر من الناحية العسكرية لاستخدام هذه القنبلة الثانية وهو ما ذكره خلال لقاء مطول مع الرئيس ترومان فى أكتوبر ١٩٤٥ عندما قال له إنه يشعر بأن يديه ملطختان بالدماء، الأمر الذى رد عليه ترومان بأن إلقاء القنبلتين هو مسئوليته الشخصية وليست مسئولية أوبنهايمر.
وخلال المقابلة دعا عالم الفيزياء الرئيس الأمريكى ببذل الجهود لوضع قواعد لاستخدام الطاقة النووية فى المجال العسكرى خصوصا مع احتمال توصل الاتحاد السوفييتى لصنع قنبلة نووية فى المستقبل، الأمر الذى رد عليه ترومان بأنه لا يتوقع وصول الأخير إلى اكتشاف طريقة صنع القنبلة.
كان ترومان غاضبا جدا من مقابلة أوبنهايمر، حتى أنه قال لوزير خارجيته دين آتشيسون أنه لا يريد رؤية هذا الشخص مرة أخرى فى مكتبه.
المعروف أن أوبنهايمر أصيب بحالة شديدة من الاكتئاب عقب استخدام القنبلة النووية فى هيروشيما وناجازاكى مما أثر على صحته بصورة عامة خصوصا بعد توصل الاتحاد السوفييتى لبناء القنبلة النووية فى وقت أسرع بكثير مما كان متوقعا، وما تلا ذلك من قيام القوتين العظميين فى ذلك الوقت ببناء ترسانة نووية تكفى لدمار العالم عدة مرات ثم التوصل فيما بعد إلى ما عرف بمبدأ الدمار المتبادل الذى تأسست عليه العلاقات الدولية طوال فترة ما عرفت بالحرب الباردة.
• • •
ما أشبه الليلة بالبارحة، فبعد أن قطع العالم خلال السنوات القليلة الماضية شوطا عظيما فى تطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى وفتح أبوابا لا حصر لها فى استخداماته المتنوعة، خرج العالم البريطانى الكندى جيفرى هينتون، المعروف بـ«أبو الذكاء الاصطناعى» ليعلن استقالته من شركة جوجل الأمريكية العملاقة وندمه على سنوات عمله فى تطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى بعد أن لمس أثناء رحلته العملية كم المخاطر التى تنطوى عليها.
تحذير مماثل جاء من جانب سام ألتمان، الرئيس التنفيذى لشركة «أوبن إيه آى» المبتكرة لأحد أشهر تطبيقات الذكاء الاصطناعى حاليا وهو «تشات جى. بى. تى»، من أن الذكاء الاصطناعى يشكل «خطرا وجوديا» على البشرية، وقال ألتمان «التحدى الذى يواجه العالم اليوم يتعلق بكيف سندير تلك المخاطر ونتأكد بأن نستمر فى التمتع بتلك المزايا الهائلة. لا أحد يريد أن يدمر العالم».
والآن يبدو أن البشرية تواجه موقفا مشابها يجمع بين الأمل فى فوائد جمة لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعى والخوف والندم مما يمكن أن تسببه من أضرار إذا ما أُسىء استخدامها.
فهناك نفس الشعور بالاستثارة والحماس لأننا على مشارف اكتشاف آفاق علمية جديدة ذات آثار جذرية وبعيدة المدى على مسيرة الحضارة الإنسانية ثم ما يتلو ذلك من إدراك لما قد يؤدى إليه هذا الاكتشاف من مخاطر وجودية على هذه الحضارة.
فبالنسبة لواقعنا الحالى، حدثت على مدار السنوات القليلة الماضية طفرات كبيرة ومتسارعة لم تكن متوقعة فى ميدان الذكاء الاصطناعى وأصبح من الواضح خلال العامين الأخيرين تحديدا، الإمكانات غير المحدودة لاستخدامه فى مختلف مناحى الحياة من التعليم إلى الصحة، بما فى ذلك اكتشاف أدوية وطرق علاجية جديدة، والبحث العلمى بصورة عامة بحيث أصبح، أو سيصبح، من الممكن إنجاز المهام البحثية المعقدة، التى كانت تتطلب سنوات لإتمامها، فى أشهر وربما أسابيع قليلة باستخدام إمكانات الذكاء الاصطناعى.
وبالطبع فإنه من المحتوم أن يكون قد بدأ التفكير فى توظيف إمكانات هذه التكنولوجيا الجديدة فى المجال العسكرى بما من شأنه زيادة القدرة التدميرية مع تكبد أقل خسائر ممكنة للطرف الذى لديه الإمكانات والخبرات العلمية اللازمة لاستخدام القدرات الكامنة فى هذا الميدان. وبالرغم من أن هذا المجال الأخير، التطبيقات العسكرية، يحاط كما هو متوقع بإطار من السرية إلا أن المتعارف عليه أن القوتين الرئيسيتين اللتين تملكان الإمكانات المادية والفنية لتحقيق ذلك فى الوقت الراهن هما الولايات المتحدة والصين.
ورغم العديد من المخاوف والمحاذير التى يعبر عنها العديد من الشخصيات العامة ومن بينهم شخصيات معروفة وذات خبرة كبيرة فى المجال التكنولوجى من مخاطر المضى قدما فى هذا الطريق بهذه الوتيرة المتسارعة وبدون وجود ضوابط واضحة لاستخدام الإمكانات غير المحدودة وغير المعروفة لهذا المجال الجديد، إلا أن الشركات العاملة فى هذا المجال تتزايد باضطراد حيث يتم ضخ المليارات من الاستثمارلات فى تلك القائمة بالفعل أو المستحدثة منها.
فى نفس الوقت، فإن المطالبة بوضع التشريعات والقواعد المنظمة للعمل فى مجال الذكاء الاصطناعى ورغم أنها تجد ترحيبا فى العديد من القطاعات الرسمية بل والشركات العاملة فى هذا المجال، إلا أنه من الواضح أن مثل هذه التشريعات لن يمكنها مسايرة كل التطبيقات التى ستشملها التكنولوجيا الجديدة. أضف إلى هذا أن التطبيقات العسكرية تكون محاطة بجو من السرية مما يجعلها بمعزل عن أى قيود أو ضوابط قد تضعها تلك التشريعات المأمولة.
وربما يكون التساؤل الأهم فيما يتعلق بالتشابه فيما بين حقبتى الطاقة النووية والذكاء الاصطناعى فى مجال الاستخدامات العسكرية بالذات هو ما إذا كان سينتهى بنا الأمر إلى مرحلة التوازن القائمة على فكرة الدمار المتبادل بين القوتين الأعظم فى هذا المجال.
• • •
المشكلة أنه رغم أوجه التشابه الكثيرة بين هذين النوعين من التكنولوجيا إلا أن هناك عددا من الفوارق الجذرية ربما كان أخطرها أنه فى حالة الذكاء الاصطناعى هناك احتمال وارد بأن يتم اتخاذ قرارات ذات تأثير على البشرية جمعاء بطريقة آلية وخارجة عن سيطرة البشر، بما فى ذلك السيطرة على منظومات متكاملة من الأسلحة أو إطلاق مواد سامة من معامل الأبحاث بناء على لوغاريتمات لا تخضع للتدخل البشرى. ومما يضاعف من هذا الخطر الأخير هو أن بعضا من أنظمة الذكاء الاصطناعى لديها القدرة الذاتية على تطوير لوغاريتماتها.

وزير الخارجية الأسبق

محمد كامل عمرو وزير الخارجية الأسبق
التعليقات